الخطاب الديني، اعتداله أو انحرافه عن جادة الصواب، أضحى أحد الأسلحة التي تؤثر على المجتمع من مختلف النواحي، وهذا ما نلاحظه بشكل واضح لدينا في البحرين، حين استغل عدداً من رجال الدين وخطباء المنبر الديني وتجييره لأجندات سياسية وفئوية وطائفية، وبالتالي فإن السياسة بحق هي العدو الأول للخطاب الديني، وإشغال المنبر الديني والاشتغال بالسياسة من قبل البعض أدى إلى عواقب وخيمة لم نجن منها في بلادنا وفي دول المنطقة إلا الدمار وضياع الأوطان، بوصفه يحصل ويشاهد في دول ليست ببعيدة منا لاتزال تأن تحت وطئه الانقسام الطائفي.
في البحرين اليوم لدينا من يستغل وينفخ في نار الطائفية والتحريض على القتل بشكل مباشر والدعوة لمواجهة رجال الأمن وسحقهم ليس لأي ذنب سوى أنهم يدافعون عن حياض الوطن ويحرسون أمنه واستقراره من عبث الإرهابين، من هنا لابد في الحقيقية من محاسبة لمثل هؤلاء الذي يعدون أنفسهم رجال دين وخطباء من المفترض بهم أن يكونوا دعاة للسلم والمحبة انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف لا أن يكون أداء لحرق الوطن وتقويض الأمن والدعوة للانفلات الأمني.
في الواقع أن آفة المجتمعات تكمن في مزج الخطابات السياسية بالشعارات الدينية لتحقيق أجندات ومآرب باستغلال العاطفة والعقيدة لدى الشعوب من خلال نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية وأقوال العلماء والتأثير على البسطاء من الناس والقيام بعملية الشحن الطائفي والبغض لطائفة أو فئة معينة، وهو ما يؤدي إلى استهداف جماعات أو أفراد ويبدأ الانشقاق والفرقة بين المسلمين، وكل ذلك من وراء بعض رجال الدين وليس كلهم، فالحق يقال هناك من يدعو للوسطية وإلى التقارب ولم الشمل والبعد عن كل ما يفرق بين الأمة.
ومن الحلول التي يمكن أن تؤدي إلى الاعتدال في الخطاب الديني التسلح بالعلم الشرعي الذي سيكون كفيلاً بتحقيق ثقافة السلم والتعايش بين الشعوب، وكذلك العمل على ترشيد هذا الخطاب الديني ونبذ العنف من أي طرف كان في المجتمع، بالإضافة إلى البعد عن التطرف والغلو والتمسك بالدين الحق القائم على الوسطية والاعتدال والاحترام من خلال العلاقات التي تقوم على حسن الخلق، وهذا ما يبقى ويدوم وما سواه يفنى، كما إن سن القوانين الرادعة -إذا ما تم تطبيقها- ستكون رادعة لمن تسول له نفسه أن يخرج عن الاعتدال في الطرح في الخطاب الديني. فالخطيب أياً كان يجب أن يحاسب إذا ما ثبت أنه يستغل المنبر الديني في التحريض، فهو ليس خارج القانون.
وأخيراً لا يمكن أن ننكر أهمية وسائل الإعلام في الخطاب الديني لما له من دور كبير في العمل على تجنيب المجتمعات أثار الطائفية، وله دور أيضاً في إذكائها وإشعالها، خصوصاً في ظل انتشار أدوات التواصل الاجتماعي التي أضحت سلاحاً خطيراً تروج للإشاعة وتنتشر كانتشار النار في الهشيم، وقد تؤدي «تغريدة» إلى الاقتتال الطائفي حينما يسيء أحد لفئة أو طائفة ما. من هنا، فالواجب على الإعلام بكافة أشكاله أن يدعو إلى الاعتدال والوسطية في الطرح، وأن يكون عند المسؤولية الملقاة عليه في نشر التسامح والتقارب للوصول إلى مجتمع متجانس متعايش بعيداً عن نيران الطائفية التي تشتعل بها بالمنطقة اليوم.
- همسة..
جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة -حفظه الله- دائماً ما يؤكد ويدعو إلى التسامح وترشيد الخطاب الديني الذي يجب أن يكون المنطلق من المنابر بما يراعي الوحدة الوطنية، فالبحرين كانت ولاتزال وستبقى نموذجاً يتحذى به في الاعتدال والوسطية والتمازج المتحضر بين كافة المذاهب والأديان.