لدينا كثيراً من المسؤولين بتنوع قطاعاتهم وبتباين مستوياتهم مصابين بــ «أم الديفان» وبنوع خطير جداً يؤثر لا على الشخص نفسه كضرر محدود
في عدد صحيفتنا «الوطن» يوم أمس وتحديداً في الصفحات الأسبوعية لملف «ملفى الأياويد» نشر تقرير جميل خفيف للزميل المبدع دائماً الأستاذ جعفر الديري عن «أم الديفان»!
ولا أظن هنا بأن هناك من لا يعرف هذا «المصطلح» الشهير محلياً، طبعاً باستثناء شباب الجيل الجديد الذين بالكاد بعضهم يعرف نطق اللغة العربية بشكل صحيح، فما بالكم بموروثات تاريخية ومصطلحات باللهجة البحرينية الدارجة.
في تعريفات «أم الديفان» يقول الديري إن هناك اختلافاً بين المنتشر في الأوساط الشعبية وبين التقارير العلمية. فكبار السن لدينا كانوا يعتبرون أن «أم الديفان» ما هي إلا «جنية» تتلبس البشر، في حين يعتبرها باحثون علميون أنها «اضطراب نفسي» له علاقة بأعراض جسدية، وقد يكون كبار السن أكثر عرضة لها.
عوارض «أم الديفان» تتمثل بعدم القدرة على التركيز، والتعرض لحالة «دوخان» وخمول، عدم القدرة على السمع بشكل جيد، السرحان والنسيان.
لن ندخل في تفاصيل الظاهرة من ناحيتها العلمية أو النفسية، لكنها –أي الظاهرة- يمكن أن تستخدم كتعبير «ضاربته أم الديفان» على كثير من الحالات كإسقاطات واقعية.
استخدمت جملة «ضاربته أم الديفان» على الشخص الذي لا يميز ولا يستوعب ويقوم بتصرفات غريبة، أيضاً على الشخص الذي لا يستوعب ما أمامه ولا يقدر على تقييم الأمور ومعرفة حقائقها، بالتالي إن سألتكم هنا وبأسلوب إسقاط الظاهرة على الممارسات العملية في المجتمع وعلى شريحة كبيرة من المسؤولين يعملون بطرق وأساليب لا علاقة لها ولا ارتباط صريح بالواقع المعاش، فماذا ستقولون؟!
هنا سأقول بأن لدينا كثيراً من المسؤولين بتنوع قطاعاتهم وبتباين مستوياتهم مصابين بـ«أم الديفان»، وبنوع خطير جداً يؤثر لا على الشخص نفسه كضرر محدود، بل على شريحة كبيرة من الناس متأثرة بنتاج عمل هذا المسؤول وقطاعه، متأثرة باستراتيجيات التخطيط والتنفيذ والتواصل مع الناس ومعرفة «همومهم الحقيقية».
حينما يطالب الناس بشيء يرونه من أساسيات حياتهم ويمثل لهم هما، ويقوم القطاع المعني بالعمل بطريقة مغايرة تماماً وبأسلوب يعاكس الواقع ويخالفه، فإن هذا ما يمكن أن يطلق عليه قطاع أو مسؤول مصاب بـ»أم الديفان».
وعلى مثل هذا القياس يمكن أن يتم الإسقاط على كل شيء يتم بطريقة مغايرة ومعاكسة لما يفرضه المنطق.
كنا كصحافة نقول –ومازلنا- بأنه اليوم من السهولة تماماً معرفة ماذا يريده الناس، وتحديد ماهية همومهم ومطالبهم، أي أنه من السهل على أي مسؤول أو جهة تريد أن تحدد أبرز مطالب الناس وبناء العمل عليها معرفة ما يريدونه.
لكن المستغرب هو حينما يحصل العكس، وكأن صوت المواطن لا يصل، وكأن همومه ومشاكله وما يطالب به «أسرار» لا يعلم بها المسؤولون في البلد، ولا تضع لها القطاعات اعتباراً أو اهتماماً حينما ترسم خطط عملها.
إصابة بعض المسؤولين وبعض القطاعات بهذا النوع من «أم الديفان» له نتائج خطيرة جداً، أبرزها أن تنتقل العدوى للمواطن وأن يصاب هو بحالة أكثر تقدماً وخطورة من «أم الديفان» بحيث لا يعرف كيف يعيش، ولا كيف يحس بمشاعر إيجابية لانعدام الراحة والاستقرار والأمن المجتمعي والمعيشي.
إصابة المواطن بـ«أم الديفان» أخطر أنواع الإصابة بالمرض، فحينما يفقد الناس القدرة على تمييز الأمور وعلى التحكم في ردود فعلهم يحصل بالضرورة ما لا يحمد عقباه.
وعافاكم الله.