تحليل طريف تفتقت عنه أخيراً عقول بعض من يعتبرون أنفسهم معارضة ويشتغلون سياسة ملخصه أن البحرين قايضت الغرب؛ مصالحة مقابل غض النظر عما يجري في البحرين وقول ما يراد منه قوله! هذا التحليل المثير للضحك يفترض أنه كان على الغرب أن يعاقب البحرين بسبب طريقة تعاملها مع «المعارضة» وعدم تمكينها من تحقيق المكاسب، لكنه آثر مصلحته فغض النظر عن كل شيء!
من يقول بمثل هذا يؤكد أنه لا يفهم في السياسة أبداً، فسياسة الدول ومواقفها تحكمها المصالح، ولا مصلحة للغرب لدى «المعارضة» التي تنقصها الخبرة وينقصها كل شيء، ولا يمكن لأي دولة يهمها مصالحها أن تغامر وتضحي بها مقابل الوقوف مع من لا يمتلك من الأساس الأرضية الثورية التي يمكن أن يقف عليها ليرتقي ولا مستقبل له تضمن به مصالحها.
من التصريحات المثيرة للضحك أيضاً قول أحد الوفاقيين لإحدى الفضائيات السوسة إن موقف المنظمات العالمية من توقيف أمين عام الوفاق جيد لكن موقف الدول دون المستوى. هذا أيضاً تصريح يؤكد بعد هذه الجمعية عن السياسة، فالمنظمات مصلحتها مع الأحزاب والجمعيات السياسية وبالتالي من الطبيعي أن تقف إلى جانبها وتؤيدها وتعزز من موقفها وتساندها، وهي في كل الأحوال ليس لديها ما تخسره، بينما مصلحة الدول تكون مع الدول ولا يمكن لأي دولة أن تفرط في مصالحها من أجل عيون فلان أو علان أو حتى عناوين، لذا فإن من الطبيعي أن تكون مواقفها دون المستوى الذي كانت تأمله الوفاق، حسب تعبير «القيادي» في هذه الجمعية.
لو أن حكومة البحرين تمكنت من إقناع الغرب بأن مصلحته معها وليس مع وقوفه مع «المعارضة» فهذا يعني أنها عملت «صح» وأنها نجحت في عملها ومسعاها، عدا أنه حقها، فمن حق الحكومة أن تحمي نفسها وتحافظ على كيان الدولة ومن واجبها أن تعمل كل شيء لتحافظ على نفسها وتحمي شعبها ومستقبله.
في المقابل، نكوص الغرب عن أي وعود قدمها لـ«المعارضة» يعني أنه يعمل «صح» وأنه يسعى إلى مصلحة شعوبه ومستقبلهم وأنه يمتلك خبرة سياسية تؤهله لاختيار الطريق الصحيح، من دون أن يبالي بأعلامه التي سيتم إشعال النار فيها ودوسها بالأقدام.
ليس الغرب فقط، ولكن الشرق أيضاً والشمال والجنوب وكل دولة في العالم، لا يمكن أن تفرط في مصالحها من أجل أشخاص أو أحزاب لا يمكن أن تتحقق مصالحها من خلالهم. المصالح أولاً، وقبلها وبعدها المصالح، ولا شيء غير المصالح. هكذا تفكر الدول وتعمل. والدول التي تقول بغير هذا إنما تضحك على الذقون وتكذب.
لولا أن لإيران مصلحة من وقوفها إلى جانب هذا الحزب أو ذاك وهذه المنظمة أو تلك لما وقفت إلى جانبهم، لولا أنها تعتبر هذا وذاك جسراً لتحقيق مصالحها لبخلت حتى بالتصريحات التي لا طعم لها ولا معنى. المصلحة التي تحرك الغرب هي نفسها التي تحرك إيران وتحرك كل دولة من دول العالم. من يقول بغير هذا يكذب أو أنه لا يفهم شيئاً في السياسة.
نعم، يمكن أن توفر وعوداً، وأن تبني آمالاً على فريق معين تأمل أن يتسلم ذات يوم قريب أو بعيد مقاليد الحكم في بلد معين، لكنها أبداً لا تضع بيضها كله في هذه السلة فتركض مسرعة نحو أية مكاسب يمكن أن تتحقق في التو والحال. لا يمكن لهذه الدولة أو تلك أن تستمر في دعم هذا الفريق أو ذاك إلا إن كانت لها مصلحة واضحة، فإن غابت تلك المصلحة غابت معها الوعود وغاب الكلام المعسول.