ظل كثير من المتفائلين يبشرون بالمعنى الإيجابي المضاد للمصطلح الغربي «إسلام فوبيا» على أنه خوف الغرب من أن يصير الإسلام هو الدين الأول في أوروبا حسب كثير من الدراسات التي يعولون عليها. وكانوا يتحدثون عن ازدياد نسبة المعتنقين للإسلام الذين يكتشفون قناديل هذا الدين كلما أحاطت كارثة جديدة بالعالم. ولكن بعد مذبحة «شارلي أبيدو» في فرنسا أظن أن عليهم العدول عن بشارتهم وإعادة فهم فزع الأوروبيين من وصول الصيغة الإسلامية «المشوهة» إلى شواطئهم الآمنة.
لم يحظ الجانب الإرهابي من حادثة 11 ديسمبر 2001 بكثير تعاطف من قبل المسلمين لأسباب عديدة؛ منها الشك الفاقع في إمكانية قيام تنظيم القاعدة القابع بين جبال تورابورا بعملية معقدة وخطيرة ودقيقة مثل عملية اختطاف الطائرات وضرب الأبراج الأمريكية. ومنها حالة التجبر والبطش الذي مارسته الإدارة الأمريكية على الشعوب الإسلامية في أفغانستان والعراق وغيرها من بلاد المسلمين. بل إن تلك العملية جلبت تعاطفاً باطنياً مع أبطال القاعدة وعلى رأسهم شيخ مجاهديها أسامة بن لادن حيث سرى شعور سري بالشماتة في السيكيولوجية العربية الإسلامية استمرأت بها حالة التلذذ بمنظر دفن قتلى الأمريكان وبكاء نسائهم وتشريدهم وتيتيم أطفالهم، وهي مشاهد عربية وإسلامية تعايشت معها بقعة جغرافية بعينيها كل يوم تقريباً.
مجزرة «شارلي أبيدو» كان لها سياقها الخاص، فقد وقعت بعد أن ذاقت الشعوب العربية، تحديداً، قسوة الإرهاب الإسلاموي بنكهة أمر من قسوة المحتل الأمريكي. ومن جهة ثانية فإن العديد من دول الغرب ومنها فرنسا، تحديداً، كان لها اليد الطولى في ضخ أسراب الإسلامويين الإرهابيين إلى الدول العربية.
لنأخذ على سبيل المثال الدور الفرنسي في انهيار دولتين عربيتين وتفشي الحالة الإرهابية فيهما إلى مستوى غير مسبوق في العالم، إنهما سوريا وليبيا. فقد كان لفرنسا الدور الكبير في دعم الحركات الإرهابية وضخها إلى تلك الدولتين وتدريبها وتزويدها بالمال والسلاح، بل ساهم الطيران الغربي متعدد الانتماءات بضرب المواقع العسكرية التي وقفت حائلاً أمام تمدد العناصر الإرهابية. ولا مجال للتشكيك في أن التلوينات الداعشية في جزئ كبير منها هي صناعة غربية وسيناريو تفتيتي جديد للمنطقة.
لذلك نجد أن الإحساس السري بالشماتة العربية تجاه فرنسا مازال هو رد الفعل الصامت الذي صدحت به بعض الأصوات على شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن العرب الذين يدركون الدور الفرنسي والغربي في خلق مستنقع الإرهاب الذي انزلقت إليه الدول العربية يعتبرون ما حدث رسالة للغرب كي يفهموا حقيقة المارد الذي تصنعه أيديهم وكيف أنه لن يتوقف عند حدود الدول العربية.
من جهة ثانية فقد أصبح منطقياً أن يعيش الغرب حالة الإسلام فوبيا، فالصورة النمطية عن الإسلام التي صارت شائعة منذ أكثر من ثلاثة عقود والتي تضاعفت في السنوات الثلاث الأخيرة هي الصورة الإرهابية التي مكوناتها اللحية الطويلة وقطع الرؤوس وهتاف «الله أكبر» وراية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وتوارت صورة الإسلام المتسامح الذي يتعايش فيه المختلفون متآلفين في بقعة واحدة، والذي يعين فيه المسلم الآخرين ويعاملهم بإخلاص ونزاهة.
أمام هذه المعضلة الحضارية نحتاج لنفهم كيف تمكن سبعة تجار حضارمة من إقناع سكان إندونيسيا بالإسلام لينشر بعدها في شرق آسيا كلها دون أن يمارس التجار الدعوة إلى الإسلام بالخطب والمواعظ والكتيبات وحلق الدين وبناء المساجد وتقديم المعونات للمحتاجين!. كيف تمكنوا من التعبير عن جوهر الإسلام دون فقه ودون نية مبيته للفتح ودون تجهيز غزاه ومجاهدين كما فعلوا مع دولة مسلمة مثل سوريا؟!
الحالة الفوضوية التي دخلنا فيها بأيد عربية إسلامية وبتدخل غربي كان لابد أن تترك أثرها على الجميع. واستغلال الدين الإسلامي للحسابات السياسية وتسخيره لخدمة أهداف الغرب الاستعمارية ما كان لينتهي دون أن يترك آثاره المدمرة على حضارتنا وثقافتنا التي لم نكن مؤتمنين على تراثها العريق. فما دام الغرب يشاهد المسلم الشيعي يشوه جثة المسلم السني بالثاقب الكهربائي (الدريل)، ومادام يشاهد المسلم السني يقطع رأس المسلم السني، فلن يأمن على رأسه من أي مسلم، ولن يصدق أن الإسلام دين اشتق من كلمة السلام ومن معاني الأمان والتسامح والتراضي. فالدين الإسلامي في مخيلة الغرب، في هذه المرحلة التاريخية، هو دين إرهاب وقتل وقطع رؤوس، ودين كراهية ورفض عنيف للآخر، دين يحتقر المرأة ويستبيحها ويستعبدها ويبيعها في سوق النخاسة. لذلك فمن المنطقي أن يعملوا على حماية أنفسهم من هذه الصورة المفزعة والمشوهة للإسلام. ولا نستطيع أن نلومهم.
الإسلام فوبيا أصبح حقيقة يواجهها الغرب بعد أن زرعها في الشرق. الإسلام فوبيا هو إثم فئة من المسلمين الذين قبلوا التنازل عن جوهر دينهم وبيعه والتكسب من ورائه.