ليس غريباً أن تشتاط غضباً طهران وملاليها وبغداد الرشيد ومحتلوها ليطلقوا سيلاً من التصريحات في قلب الحقائق لما يجري في مملكة البحرين عندما يتعلق الأمر بتصحيح لمسار خرج عن جادة الصواب وبموجب الضوابط والقانون وتحت ضوء النهار، وليس غريباً أن نسمع صوتاً نشازاً من المدعو نوري المالكي الذي مازال يعيش مرارة الهزيمة بعد تخلي أسياده في قم وواشنطن عنه، لكن الغريب في الأمر هو السكوت عن هذه التخرصات والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة واستقلال.
ما يحدث من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وبشكل يومي في إيران وتدخلها المفضوح في كثير من الدول وبسط نفوذها السلبي في العراق واليمن ولبنان والشام، إذ لا يتسع عمودنا لتناوله وبحثه ولا أظن أن مقالاً واحداً أو عدة مقالات تكفي لكشف فصوله، فذلك أمر يحتاج لكتب ومؤلفات وفضحه بالدليل الدامغ في المحافل الدولية والمؤتمرات.
لقد عصفت الفوضى في العراق بعد احتلاله وعلى يد حكومات فاسدة متعاقبة طمست وانهارت بعد قرون صروحه وحضاراته، ثم صفيت وهجرت خبراته، حتى وصل الأمر إلى مطاردة وتجريم حتى من صدقهم أو حاباهم وعمل معهم ولكنه في صحوة ضمير حاول أن ينافح عن حقوق أهله ويجهر ببعض مظالمهم، فما كان من تلك الطغمة إلا أن ألصقت شتى التهم بهم ونعتتهم بالإرهاب. فمنهم من استطاع النفاذ بجلده ومازال خائفاً يترقب وتحت جنح الظلام بين الدول يتقلب مثل طارق الهاشمي وحارث الضاري وعدنان الدليمي ورافع العيساوي والدايني والقائمة تطول، ومنهم من أودع في غيابة السجن مثل النائب أحمد العلواني لينتظر سوقه إلى حبل المشنقة، ومنهم من تم تصفيته جسدياً مثل النائب حارث العبيدي.
وعلى الرغم من قسوة ومنهجية التعامل الطائفي المقيت هنالك، لكن جميع الدول العربية وعلى وجه الخصوص البحرين، قد اتخذت الموقف الحيادي ولم يصدر منها أي تصريح أو تلميح يدين ما حدث ويحدث، باعتبار أن ذلك شأن داخلي وضمن حدود اللياقة الدبلوماسية التي مازالت المملكة تنتهجها، ولكن من طرف واحد.
وحسناً تفعل الدبلوماسية البحرينية أن تنأى بنفسها عن سياسيين تابعين لا يفقهوا في العلاقات الدولية والدبلوماسية شيئاً، لكن الأولى كان ردعهم والاحتجاج لدى أسيادهم وولاة أمرهم.
لكن أن يصل الأمر بأن يتطاول أولئك الأقزام ويحشروا أنوفهم مرة أخرى في ما يحدث في مملكة البحرين عند قيام الدولة بالتصدي أو محاسبة جمعية أو شخص يخرق الأمن والقانون ويحرض على العنف والكراهية والطائفية فهذا هو الغريب بعينه، ويجب ألا تمر هذه التدخلات والتصريحات السافرة دون استنكار على المستوى الرسمي والشعبي، وبات من الضروري إيصال تلك الاحتجاجات إلى المجالس والمحافل الدولية.
فالتعامل بحسن النية والتسامح والصفح مع الأفراد لا يجدي نفعاً ولا يعمل به مع الساسة المنفلتين وبعض الدول والحكومات المتطفلة.
لقد تغيرت كثيراً النظرة الظلامية التي سوقت دولياً تزامناً مع أعمال الشغب في فبراير 2011، والتي انساق وراءها بعض المغرر بهم وما تخللها من تدخل سافر وتحريض جاء على لسان بعض من ممثلي الولي الفقيه أمثال حسن نصر الله والجلبي والجعفري والحكيم وميليشياتهم.
نعلم يقيناً أن ما أخرج هؤلاء الموتورين عن طورهم هو تغير البوصلة الدولية التي ظلت لأعوام وبتأثير مفتعل ترسم قراءة خاطئة لما يحدث في البحرين، وعادت تلك البوصلة إلى وجهتها الطبيعية بعد زوال المؤثر عنها، خاصة بعد نجاح الانتخابات النيابية والبلدية عام 2014 وتسجيل الوزن الحقيقي لمن ظل ينادي زوراً كأسلافه في بغداد بالاضطهاد والمظلومية والبكاء في المحافل الدولية، فأرادوا استنساخ تلك التجربة الفاشلة التي قفزت إلى سدة الحكم على حين غفلة من الزمن، والتي كشف العالم لاحقاً زيفها ولم تعد تنطلي بعد على أحد.
وليتهم حافظوا عليها بعد أن أوصلتهم المخابرات الأمريكية والغربية والخبث والدهاء الإيراني إليها، وليتهم أقاموا العدل وعمروا البلاد وأراحوا العباد. لكن انغلاقهم وفسادهم وتبعيتهم وجهلهم وروح الانتقام الشريرة التي تتلبسهم جعلتهم يتخبطون ويتصرفون كثور هائج أفلت من معقله، لا يميز بعد ناحره ومربيه.
نصحي لأولئك الساسة المتهورين أن يستقدموا من يعلمهم الحكمة العربية والشعر الفصيح وأبجديات الأخلاق والدين عله ينضبط سلوكهم ليريحنا من هرطقتهم ويريحهم.
ونصحي للدبلوماسية البحرينية أن تضع حداً فاصلاً بين حدود اللياقة الدبلوماسية وسيادة البحرين خشية أن يساء فهم الحليم.
يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهة فأزيد حلماً
كعود زاده الإحراق طيباً