لم يعد الوقت كافياً لملاحقة الإرهابيين في جميع أنحاء العالم، فها هم اليوم يتوزعون ويتناوبون ويتبادلون الأدوار بين كافة الدول، ومع الأسف فإن غالبيتهم من المسلمين أو ممن يدعون الإسلام، ومعهم حكومات عربية وغربية تمارس ذات الدور الإرهابي في التعرض للشعوب البريئة والمسالمة، ففي ممارسة الإرهاب ليس هنالك مسلماً أو غير مسلم، ولا فرق بين إرهابي يتستر خلف لحية كثة أو عمامة أو خلف ربطة عنق أو خلف «طاقية»، فالإرهابي هو الكائن الذي يكره الحياة، وهو الأناني الذي يكره أن يرى غيره يعيش في أمن وأمان.
عمليات باريس الإرهابية الأخيرة ما هي إلا مقدمة جادة لنشر الفزع والهلع في نفوس الأبرياء، فكل عواصم العالم الغربي والشرقي مهددة بطاعون الإرهاب، ولن تنجو دولة من سطوته وقسوته، ولهذا وجب أن تكون هذه المرحلة هي مرحلة محاربة الإرهاب والإرهابيين في كل العالم، وقبل كل ذلك يجب تجفيف منابعه وهذا هو الأهم، لأن ضربنا للإرهاب دون أن نحارب مصادره ومناهجه وكافة المحرضين عليه، فإننا سنكون كمن يقوم بإعطاء الدواء من دون تشخيص الداء.
كل الدول الأوروبية في مرمى الإرهاب، بل كل الدول العربية دخل مرماها وعاث فساداً في بعض عواصمها، ولهذا لا وقت للجميع في أن يتفرجوا أو يستنكروا، فالخطر قائم وليس قادماً، وعلى جميع الشعوب والحكومات أن يلتفتوا لمصيرهم ومستقبلهم وأن يتركوا خلافاتهم جانباً، فالإرهاب أكبر من أن ننشغل عنه بحصان «طروادة».
لعل من أهم وأبرز الملاحظات المهمة في هذا السياق هو أن يكف الغرب عن «سماجته» وسخافته المعتادة، وهو أن يقوم بدعم الإرهابيين في بعض الدول ويحاربهم في دول أخرى، كما على الغربيين أن يبنوا منهجهم في محاربة الإرهاب وفق قوانين المصلحة الإنسانية وليس وفق مصالحهم الخاصة، وربما يكون تعاملهم مع الشعوب الأخرى بمعايير مزدوجة، من أهم الملاحظات التي يجب أن يلفتوا إليها، ولهذا الأمر نصيب كبير من العمليات الإرهابية من طرف بعض الجماعات المسحوقة التي تحولت بفضل ازدواجية معاييرهم إلى جماعات إرهابية.
ليس بعض المسلمين وحدهم من يمارسوا الإرهاب، فهناك الصهاينة وحكومات غريبة كثيرة تمارس أبشع الانتهاكات في حق شعوب من حقها أن تمارس حياتها كما بقية شعوب العالم، ولذلك ربما تكون الكثير من العمليات الإرهابية خرجت من رحم هذه الازدواجية الوقحة من طرف الغرب.
حين نقول بأن الإرهاب لا دين له، فإننا نعني أنه يتشكل وفق قوانين المصلحة والمفسدة عند دعاته، ففي أحيان كثيرة يكون إرهاباً إسلاموياً، وفي كثير من الأحيان يكون إرهاباً غربياً وصهيونياً وربما يهودياً ومسيحياً وبوذياً وغيره. وبما أننا مسلمون فإن ما يعنينا في هذا الموضوع هو أن نضرب المثل الأعلى في نشر ثقافة القيم النبيلة التي تدعو إلى التسامح والتعايش مع الآخر، وهذا هو مطلب إسلامي راشد ورشيد في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، فمن يتعلل بأن الآخر يمارس إرهابه ضدنا فإن علينا أن نعطي المثال الحي للأخلاق الرفيعة لقيم القرآن المجيد، لا أن نمارس ما نهانا عنه رب العباد بحجج لا تصمد في وجه الحقيقة والعدالة والإنسانية.
معاً ضد الإرهاب مهما كان دينه ومذهبه ومصدره، ولن نقبل به ديناً مهما كان مستوى وقيمة الجهة الداعية إليه، فنحن نتعبد بالمبادئ وليس بالأشخاص، نحن نقدس الإنسانية أكثر مما نقدس الأسماء الرنانة.