نكمل حديثنا الذي بدأناه في المقال السابق؛ ونعيد طرح السؤال المفعم بالحيرة ولكن بصيغة أخرى؛ ما الحكمة التي جعلت الحكومة تقدم برنامج عملها لمجلس النواب؟
الحكمة في هذا قطعاً حتى لا تستفرد الحكومة بإدارة شؤوننا وحدها فقط، بل أن يصبح الشعب طرفاً في إدارة شؤونه وعلى اطلاع وعلم بكل صغيرة وكبيرة في برنامج عمل الحكومة، وأولها الإسكان، وهو الشغل الشاغل والشغول بالنسبة لكل مواطن يدب برجله على هذه الأرض، فهو يريد أن يعلم متى وأين وكيف سيحصل على قسيمته الإسكانية، وهو ما من شأنه أن يخلق مستقبل آمناً للجيل القادم.
وفقاً للبرنامج فإن الحكومة ستعمل على مراجعة وتعديل معايير وشروط استحقاق الخدمة الإسكانية (جيد جداً) والآليات والأحكام اللازمة لتنظيم الدعم السكني، وتحديد عدد ونوع الوحدات السكنية التي سيتم توفيرها سنوياً (ممتاز) وتقليص فترة الانتظار من خلال تسريع وتيرة توفير الوحدات السكنية.
حسناً هذا الكلام (ممتاز وجيد جداً)؛ ولكن كيف سيتحول إلى واقع؟ أتصور هذا هو السؤال المفصلي والإجابة عليه هي التي تبقينا على أرض الواقع.
وفقاً لبرنامج عمل الحكومة فإن الواقع سيتحقق عبر تنفيذ جملة من المشاريع الإسكانية في مختلف محافظات المملكة توفر ما يقارب 20.000 وحدة سكنية في السنوات الأربع القادمة، وذلك تنفيذاً للأمر الملكي السامي بتوفير 40.000 وحدة سكنية للمواطنين.
هل هذا يكفي أو من شأنه أن يحل مشكلة الإسكان؟ بالتأكيد لا، ووفقاً لبرنامج عمل الحكومة سيتم تعزيز دور القطاع الخاص في توفير مشاريع السكن الاجتماعي، والشراكة مع القطاع الخاص في بناء عدد من الوحدات السكنية، بجانب برنامج لشراء الوحدات الجاهزة من القطاع الخاص، وتسهيل حصول المواطن على التمويل المناسب لامتلاك المسكن، وتحسين وتطوير برنامج تمويل السكن الاجتماعي، وتضمينه أهم المبادئ الاساسية في نظام الرهن العقاري، لخلق برنامج متكامل لتوفير أقصى سبل الدعم المالي للمواطنين، أما الأهم والمهم فهو استمرار علاوة بدل السكن.. فيه أحلى من هذا الكلام؟
في اعتقادي أن الحكومة عشرة على عشرة، وقدمت برنامج عمل يفوق المتوقع والطموح، ولكن ما الضمانات؟
هذا هو السؤال (الصح) الذي يجب أن يركز عليه النواب في دراسة البرنامج، والعمل أولاً على أخذ الضمانات من الحكومة بتنفيذ البرنامج على أكمل وجه دون نقصان في غضون الأربع سنوات، على أن تكون المراجع الدورية لما أنجز من برنامج العمل، وفق جدول زمني (على سبيل المثال، كل سنة) وفي تصوري، إذا ما التزمت الحكومة بتنفيذ جميع ما جاء في برنامج عمل الحكومة بـ (الملي)، فمن شأن ذلك أن يحدث طفرة في المجتمع البحريني وحياة المواطن المعيشية، على كافة الأصعدة، بما فيها الأمن والاقتصاد.
ربما يلاحظ القارئ الكريم أن العبدلله كاتب هذا المقال دائماً ما يربط الأمن بالاقتصاد، لقناعاتي بأن علينا أن نخطط للاقتصاد وليس للأمن فقط، وذلك لأن الاقتصاد هو الشيء الوحيد الذي يجعل الوطن آمناً.
من المقال السابق ومقال اليوم يمكن أن نفهم أن السبيل للنهوض بالوطن وتحقيق حياة كريمة لكل مواطن، هو النهوض بالعلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، من فكر التعاون إلى فكر الشراكة كمنهج رئيسي في العلاقة.
فهل يكون مجلس النواب شريكاً حقيقياً للحكومة، منتجاً ومجدياً وفعالاً، ودوره الحقيقي هو المساهمة الفعلية مع الحكومة في تحسين مستوى معيشة المواطنين وتنويع الاقتصاد وتحسين الإنتاجية، إدراكاً للتحديات الاقتصادية التي تعيشها البحرين.
هذا ما ستثبته الأيام، والجميع ينتظر..