في الوقت الذي يلعب فيه أطفال بعض الدول بالثلوج، ويستمتعون ويمرحون بنزول الكرات البيضاء، وتعلو أصواتهم ضحكاً ولهواً، يموت في الوقت نفسه أطفال اللاجئين السوريين من هذه الثلوج وانخفاض في درجة الحرارة، وتعلوا أصواتهم أيضاً ولكن ألماً وقهراً، فالثلوج البيضاء الجميلة أصبحت بين يوم وليلة أكفاناً لأطفال ولاجئي سوريا، فمعاناة الشعب السوري تزداد قسوة يوماً بعد يوم، بعدما أباح النظام دماء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، وتركهم مشردين في بقاع الأرض، فهم أصحاب حق في سوريا وأصحاب هذه الأرض، ولكن لا وطن يحميهم الآن، ولا أرض تؤويهم، ولا وطن آخر يدافع عنهم.
كيف كانوا من قبل وكيف اصبحوا وأمسوا الآن، يتلحفون الثلوج قهراً لا بإرادتهم، هربوا من الحرب ليواجهوا معركة أخرى مع الثلوج، يؤسفنا أن نشاهدهم يموتون أو أنهم موتي في أيدي ذويهم، فالعالم أجمع يراهم في نشرات الأخبار وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بين الحياة والموت، يعانون من البرد والجوع والذل والمرض، ولا أحد يعلم بمعاناتهم الحقيقية، فهم من تكفن الثلوج وتركوا أحباءهم يعانون من لوعة الفراق، فهم مجرد صور يظهرون في قنوات العالم بين الحين والحين في مشاهد مأساوية تاركين حبال الذكريات تلهو بهم بين كل حين.
الإنسان يجهل مصيره ولا يعلم متى تتقلب الأيام ضده وتتبدل أحواله، ويتجاهل أيضاً النعم الكثيرة التي أنعم الله عليه، منها نعمة الوطن والأرض، ونعمة الأمن والأمان، ونعمة الحرية والصحة، ونعمة الأهل والأولاد، ونعمة المال والعمل، فنعم الله كثيرة لا تحصى، من المولى على عباده، ولكن لا يشعر بها الإنسان إلا عندما يفقدها، فما فائدة الحرية بلا أمان، وما فائدة المال بلا وطن، وما فائدة الإنسان بلا إنسانية، وما فائدة العروبة بلا فزعة وما فائدة الإسلام بلا رحمة. المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية ودول العالم تبادر اليوم لمساعدة المتضررين السوريين من تقلبات فصل الشتاء، فأين كانوا جميعاً قبل فصل الشتاء؟ ولماذا لم يسارعوا لمساعدتهم إلا بعد سقوط ضحايا الثلج؟ ولماذا تحاول بعض الدول بألا تسمع أو ترى أو تتكلم؟ ولماذا يتاجر البعض بآلام المستضعفين من البشر، حتى وإن كانوا تحت رحمة الكوارث الطبيعية؟
الإعلام الدولي في سباق لالتقاط صور النازحين السوريين في مخيماتهم، وفي دوامة عمل التقارير وكتابة الأخبار عن المتضررين من العاصفة الثلجية، فهذه المحطات الإخبارية هي ذاتها من غطى ثورة السوريين على النظام السوري، فسوريا هي مادة ثرية لأجندة الإعلام الدولي طوال العام، ولكن بين الحرب والثلوج وطوال هذه السنوات مع الأزمة الحقيقة في ضياع وطن ومواطن، الإعلام الدولي يرصد كل ما حدث للعالم في هذا اليوم، ولكنه كان مغيباً في ما سوف يحدث مع العواصف الثلجية التي كسرت اللاجئين في مخيماتهم البسيطة، ولم يبادر الإعلام الدولي في عمل التقارير قبل أن يشتد المناخ قسوة. من منا لا يتذكر المصور العالمي الذي حاز على أحسن صورة ولكنها كانت أبشع صورة للإنسانية، من منا لا يتذكر صورة الطفل الأفريقي الذي كان يحتضر من الموت، وخلفه نسر يرتقب موته حتى ينقض عليه. فعندما تتجرد الإنسانية وتكون المادة هي المسيطرة يموت الحس الإنساني في الكائن البشري، فالعالم اليوم لا يختلف عن المصور العالمي، فالأخير يرتقب المشاهد المأساوية لالتقاط الصور الحصرية، والعالم أيضاً يشاهد ويلتقط الصور الحصرية، ويضيع بينهم الأطفال والنساء والشيوخ في المخيمات بلا رحمة، ليكونوا بعدها مجرد صور في معرض لأجمل الصور التي التقطت في شتاء 2015.