صدور النسخة الحادية عشرة من تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية يضع البحرين في مرتبة متقدمة من الشفافية في ظل دول لاتزال تنكر وجود فساد أو تجاوزات، رغم أنه يضرب عميقاً في كافة مفاصلها، كما صرح السبت قبل الماضي رئيس البرلمان السوداني بأن «السودان من أفضل دول العالم في الشفافية ومكافحة الفساد»، ومن قبله قال أحد أعضاء المجلس إن «الفساد في السودان صفر».
الإصرار على عدم وجود فساد في أي دولة عربية، هو محاولة لدفن الرؤوس في الرمال، فلسنا في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز، والمسؤولون ليسوا أنبياء، ففيهم من يعرف وفيهم من لا يعرف، والفساد عبرة نهائية لكليهما، والبحرين ضوء في نفق مظلم، لا يجرؤ أحد وسطه على رفع إصبعه في وجه التجاوزات ليقول «هنا فساد»، ومن لم يعش في هذا الوسط لا يعرف قيمة ما تمتلكه البحرين من جرأة على قول الحق.
الإصرار على صدور التقرير، إيجابية، يجب أن تكون إضافة للحكومة البحرينية، حتى لو لم يرافق ذلك إحالات للنيابة العامة، خاصة في ظل وسط عربي ينوء تحت وطأة الفساد ونكرانه، ذلك لأن الوزارات والجهات الحكومية التي يراجعها ديوان الرقابة المالية والإدارية بدأت في اتخاذ السبل الكفيلة بتجنيبها «الفضيحة» في التقرير، وهذا يفتح باباً واسعاً للإصلاح أمام هذه الجهات.
لا يمكن أن تكون هناك «ثقافة محاسبة» ما لم تسبقها «شفافية إقرار»، وكلاهما لا يتوفران إلا في بلدان تتخذ من الديمقراطية منهجاً، وللبحرين في ذلك وضع، ومكانة، فـ «تغطية الأخطاء» وإحالة صغار الفاسدين للقضاء هو سلوك أنظمة شمولية لا تعترف إلا بنفسها.
البحرين تتحرك برؤية واضحة في مكافحة الفساد، فالإصرار على تتابع صدور التقرير جزء منها، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء أكد أن «الحكومة اتخذت إجراءات محاسبية صارمة بحق كل من ثبت للحكومة تقصيره في إدارة المال العام وكانت إجراءاتها شمولية على الجميع»، وهذا الأمر يتأكد أكثر إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريح مدعي عام مكافحة الفساد بجمهورية هندوراس هنري سلقادو، في زيارته للبحرين ضمن وفد دولي، والتي أكد فيها «مواءمة تشريعات البحرين مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد».
إن موافقة البحرين طواعية على مراجعة فريق دولي تنفيذها لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في ضوء التشريعات والإجراءات النافذة في المملكة، تحسب لصالحها، وبعد تقرير الرقابة ننتظر تقرير فريق الاستعراض المفصل الذي سيصدر قريباً يبين فيه الاستنتاجات والملاحظات المتعلقة بتنفيذ البحرين للاتفاقية والتجارب الناجحة والممارسات الجيدة، لتقدم البحرين كذلك أنموذجاً عربياً طيباً في مكافحة الفساد.