هناك نوع من المسؤولين يعتبرون «نخبة»، فــي دول الغــرب قد يصــل تقديرهم إلى أعلى المستويات، قد يعتبـــرون «ثروة وطنيـــة» بالفعــل، ويتحولون إلى مستوى «الملهمين» على مختلف الأصعدة.
بينما للأسف دولنا العربية تعج بكثير ممن يصنفون على أنهــم «محطميــن» أو «مثبطين» أو أدوات هدم وإشاعة فوضى.
هي مسألة مرتبطة بفن الإدارة، وكيفية إدارة البشر، والقدرة على استخراج الأفضل منهم واكتشاف قدراتهم، بحيث يمكن «قلب» حال شخص من الشمال إلى اليمين.
ولماذا هذه التفرقة، بين الغرب وبين الدول العربية؟! لأن الشواهد تثبت لدينا ترسيخ فكرة المسؤول الواصل لموقعه لا عبر الكفاءة والقدرات والأهلية، بقدر وصوله وفق اعتبارات أخرى، وبالتالي نسبة «قمع» الطاقات و«تكسير» الكفاءات واردة وبشكل كبير.
لا نريد تسمية أحد، لكن الواقع يكشف الكثير، قطاعات عدة مصيبتها لا تكمن في موظفيها بقدر ما تكمن في مسؤوليها، بالأخص أولئك الذين لا يرون التطوير يأتي عبر تطوير الأفراد وتحفيزهم، أو عبر التأثير إيجاباً على من يمارس دوراً سلبياً ـ له مسوغاته- بحيث يتحول لأداة بناء وطاقة متفجرة تطور وتبني.
يستحضرني مشهد حصل قبل فترة ليست بقصيرة، حينما رأينا تعاطي بعض المسؤولين مع موظفي قطاعاتهم، وكيف أنه بدلاً من العمل على استكشاف مواطن الخلل، ولماذا تتفشى السلبية والإحباط، كان التعامل عبر تكريس هذا الإحباط و«تكسير» الطاقات وإيصال الناس لمرحلة يأس أشد وطأة مما كانوا عليه.
هنا المشكلة كلها تتعلق بالمسؤول، وتقودنا للبحث عن خلفيته وخبرته الإدارية، وما إذا كان مستحقاً لموقعه، أي هل اكتسبه عن كفاءة وخبرة محسوبة في نفس القطاع، وهل يمتلك القدرة على الإدارة الصحيحة، أم أنه جاء ليرى واقعاً مؤلماً فبدلاً من أن يعالجه بـ«مشرط» جراح ماهر، تعامل معه وفق أسلوب «آخر الدواء البتر»، فأعمل فأسه في النفسيات وحطم الطموحات.
مؤخراً قرأت تصريحاً لمسؤول لدينا، رأيت في التصريح فكراً متقدماً، رأيت فيه ما نبحث عنه وننشده في المسؤول الذي يعين على قطاع حساس، ولن أورد الأسماء منعاً للحساسيات أو تحسباً لإدخال نوع من «الغرور» بالإنجاز، وهي مسألة عادية تحصل لكل البشر، بالأخص من يأتي ليغير واقعاً سلبياً فيرى أنه بخطوات بسطية أولية أخذ يحقق هذا التغيير.
الموقف الذي أعنيه، أنه عوضاً عن تكسير المكسور أصلاً في نفوس الموظفين، وعوضاً عن استخدام نفس أسلوب التثبيط والقول بصريح العبارة أن الأجنبي أفضل من المواطن، كان التركيز على المواطن، والتأكيد على امتلاك القطاع المعني طاقات وطنية قادرة على العطاء، والجميل أنه لم يتوقف عند ذلك، بل أقر بمسؤوليته كمسؤول عن القطاع، أن الإدارة التنفيذية عليها مسؤولية كبيرة من خلال تهيئة الأجواء الملائمة للموظفين كي يتطوروا ويكون لديهم حافز للعمل وإبدال السلبية بالإيجابية، دون إغفال أهمية التدريب والتطوير واستشكاف القدرات.
المسؤول الذكي –وهذا يحصل في الغرب عادة- هو القادر على تحويل السلب إلى إيجاب، هو القادر على البحث في حالات من يوصفون بأنهم «ميؤوس منهم» ويحولهم لعناصر فاعلة عبر تأهيلهم ومنحهم الفرصة وبناء الثقة لديهم.
نوعية الخطاب مهمة، أكان خطاباً «تكسيرياً» أم «تحبيطياً»، فن الإدارة هو أساس نجاح أي مسؤول مهما كانت صعوبة المهمة ومهما كان تعقيد القطاع.
لذلك فإن الغرب يمتلك عناصر يطلقون عليهم «الملهمون» بالأخص في فن الإدارة، وفي بناء القدرات، وفي تفجير الطاقات، لذلك هم يتقدمون وتزدهر قطاعاتهم وتتحول لخلايا نحل، وقليل ما تجد لديهم موظفين يملؤهم الإحباط واليأس.
نحتاج للتطوير ولبناء القدرات مثل هؤلاء «الملهمين»، هم موجودون بالتأكيد، لكن يحتاجون العين الثاقبة التي تكتشفهم، تكتشف معادنهم وتقيم نوعية عملهم، لا تعتمد فقط على ما يصدر عنهم من كلام معظمهم يدغدغ المشاعر ويرسم صوراً جميلة، لكن لا مكان له على أرض الواقع.