مشروع إسكاني وراءه مشروع، وأسماء المناطق نفسها تتكرر رغم مرور قرون وسنوات طوال، حتى لو شيدت هذه المشاريع على أرض قاحلة. فكيف بالله عليكم تتمدد المناطق حتى تدخل مدناً كبيرة كما دخلت كرزكان إلى مدينة حمد تحت مشروع امتدادات القرى وغيرها من المشاريع الإسكانية الأخرى التي حصل فيها ما حصل في كرزكان، بل وحتى الفلل الخاصة التي يقوم بتشييدها المواطنون في مناطق كانت غير مأهولة ولا مسكونة، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن سنكتفي بالحديث عن توبلي التي امتدت حتى وصلت المنامة، وهي منطقة صغيرة ولم تكن توبلي إلا حياً صغيراً في مدينة عيسى، إلا أنه وفجأة تمدد هذا الحي حتى قفز على قرية يطلق عليها الكورة وأخرى جدعلي، وهي المنطقة المقابلة لتلك القريتين ويفصلها شارع، وهذه المنطقة لم تكن مأهولة قط، فإذا بمشروع إسكاني جديد يشيد ويحمل نفس الاسم، وكذلك بالنسبة لفلل المواطنين الذين تفاجؤوا بأن عنوانهم صار يحمل اسم منطقة توبلي، خاصة أنه اسم ليس له أصل تاريخي وليس اسماً عربياً، وليس له مدلول لا في معاجم ولا تراجم، إلا كما ذكر بأنها كلمة أصلها فينيقي، وخزعبلة أخرى تقول بأنه رجل من رجال القرية قام لصلاة الليل فلم يجد خادمه، فذهب إليه ورآه يغط في النوم، فجاءه بالعصا وقام بضربه وهو ينشد ويقول توبة لي توبة لي، فبالله عليكم هل هذا تعليل وتبرير مقبول، وهل يمكن أن يطلق على مدينة كاملة ليس لها صلة ولا صفة بحي صغير؟
الأمر لم يقتصر على امتداد حي توبلي؛ بل الشيء نفسه يحصل لباقي المشاريع الإسكانية في مختلف مناطق البحرين، فهي تمتد بنفس الأسماء، فكيف إذا كانت هذه الأسماء فينيقية وبربرية؟ ثم إن امتداد هذه الأسماء للمشاريع الإسكانية يضيع حساب المشاريع الإسكانية التي يجب أن تنشأ لها أسماء كي يمكن إحصاؤها وعدها وتكون دليلاً على التوسع العمراني والخدمات الإسكانية التي تقدمها الدولة للمواطنين، وها نحن نرى جزراً ومناطق للمشاريع الخاصة مثل الدرة وديار المحرق وأمواج وأشبيلية وغيرها من المشاريع التي أصبحت متميزة، حتى صار لهذه الأسماء جمال ودلالة، بالرغم من أن المشاريع الإسكانية التي تقدمها الدولة هي مشاريع أكبر وأوسع وتقام على أراضٍ «فاضية وخالية».
وها هي الدول الخليجية الأخرى تحمل مناطقها وأحياؤها أحلى الأسماء، وليس هناك منطقة خليجية ولا حتى عربية تحمل اسماً فينيقياً ولا بربرياً، بل إن أسماءها كلها معانٍ، وكل مدينة يحمل اسمها قصة ودلالة، كما أن هذه الدول كلما توسع عمرانها أطلقت أسماء جديدة، والدولة بالفعل قد أطلقت بعض الأسماء الجديدة مثل منطقة السيف، ومشروع الساية الإسكاني في البسيتين، إلا أن المشاريع الأخرى لم تتغير، وهو ما قد يسبب في المستقبل مشاكل مع المواطنين حين يطالب أهالي كرزكان وعراد «على سبيل المثال» بأن هذا المشروع خالص لهم لأنه يحمل اسم قريتهم، فيرفضون الاختلاط وقبول الآخر كونه قريباً منهم وليس من قريتهم، وكأن صكوك الملكية سجلت بأسمائهم، وهكذا تصبح هذه المناطق مغلقة وتزيد من انغلاقها الدولة حين لا تتخذ خطوات مناسبة كي تحد من هذه المشاكل التي لا نسمع عنها إلا في البحرين، وذلك عندما نشاهد كل يوم اعتصاماً في كل مشروع إسكاني، ومنهم من يذهب ويشيد له مسجداً من «جينكو» عندما يشم خبراً من قبيل أن في هذه الأرض سيشيد مشروع إسكاني، وذلك حتى تكون له الأسبقية ويثبت وجوده، ومع الأسف لا بلدية ولا إسكان تزيل هذه الحجرات في الحال، حتى مع الزمن يصدق الأهالي أنه مسجد قديم لفلان بن فلان قام في الليل وضرب خادمه وعبده، ومثال ذلك ما أطلق عليه «مسجد الكويكبات»، وهو لا يعدو عن تلة صغيره شيد عليها الأطفال «عشة»، فإذا بها تحاط بالأعلام، إلى أن اضطرت الدولة إلى بنائها، وبالفعل بني مسجد بطوابق وفيه قبة ومنارة، وهذا كله نتيجة الإهمال وعدم الاهتمام من الجهات المسؤولة.
والموضوع يجر الموضوع، والمواضيع والأمثلة كثيرة، ولكن نكتفي بهذا، حيث نطالب ونقول؛ أعيدوا للبحرين عروبتها، وعربوا أسماء مناطقها وافتحوها كي لا تكون مغلقة، فهذا يخدم التلاحم الوطني، خاصة عندما فتحت بعض المناطق، بينما بقيت غيرها مغلقة إغلاقاً كاملاً ليس فيها وجود لطوائف وعوائل، وهذا هو التخطيط غير المدروس، فبالله عليكم غيروا الأسماء ودعونا نرى أسماء جميلة مثل اسم الدرة وديار المحرق والرفاع فيوز، فنحن محتاجون إلى تغيير جو والتنزه بين مناطق ومدن تفتح النفس.