أين موقع رجل الدين من النقاش السياسي الدائر الآن حول برنامج عمل الحكومة؟ سؤال مهم يرسم ملامح المرحلة القادمة.
رجل الدين مواطن له كافة الحقوق وعليه ذات الالتزام الذي على أي مواطن عادي، لا يزيد عنه ولا ينقص عنه، فله أن يبدي رأيه له، أن يختار من يمثله، له أن يؤسس حزباً سياسياً، له أن يترشح للمجالس النيابية أو غيرها من الهيئات إنما بعيداً عن منبر الرسول.
لا يدور النقاش حول البرنامج في المساجد فيقود إلى هذا الاتجاه أو ذاك رفضاً أو قبولاً ولا يعرض فحواه من على المنبر حيث لا جدل ولا نقاش لوجهة نظر رجل الدين والتحاور معه وتفنيد آرائه.
وحسناً فعلت الحكومة أنها لم تقحم أي رجل دين في هذا الحراك الشعبي الذي يتجادل بخصوص البرنامج، وليتها تستمر بذلك، وأي رجل دين له رؤيته الخاصة حول البرنامج الحكومي يمكنه أن يبديها في أي محفل عام خاص بهذا الموضوع، منتدياً كان أو حاضراً، أو حتى يكتبه ويعرضه مقروءاً، هكذا يجب أن يتعاطى رجل الدين مع الأمور السياسية وهذه حدوده، متساوية مع بقية المواطنين بلا زيادة أو نقصان، ورأيه رأي إنسان عادي غير معصوم وقابل للنقاش والنفي والاعتراض.
إن وصولنا لهذه المرحلة ممكن، خاصة ونحن نرى بوادرها الآن، ونرى عوائدها الإيجابية من الآن، فنرى أن رجال الدين السنة والشيعة في المجلس النيابي يتعاطون مع مناقشة البرنامج من منطلقات وطنية واحدة وأرضية مشتركة بغض النظر عن مستوى الجدل ونوعيته، حين وجد الاثنان العديد من النقاط المشتركة بينهما بعد أن وضعا، أبعدا خلافتهما العقائدية عن الموضوع المراد البحث فيه، هكذا يجب أن تعود البحرين وهكذا ممكن أن يخدم رجل الدين وطنه، بأن يبعد الجدل السياسي عن منبره الديني من خلال شعوره بحجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه فيأخذ زمام المبادرة من نفسه، وهكذا ممكن للسلطة أن تخدم الاستقرار والأمن في الوطن حين تبتعد عن توظيف واستغلال رجل الدين لخدمة مشاريعها.
حينها ينتهي الجدل في قاعات ومنابر ومحافل السياسة ولا ينتقل إلى العامة وإلى الناس من منطلقات عقائدية فلا يستغل الشحن الديني لخدمة هذا المشروع السياسي أو ذاك.
لقد كان الحراك السياسي حول البرنامج الحكومي تجربة ممكن أن تبني عليها الأطراف مستقبل العلاقة البناءة الإيجابية بين رجل الدين والدولة، حيث رجل الدين مواطن رأيه قابل للجدل ومعروض له في محافل سياسية عامة لا دينية، إن نجحنا في ذلك واستمررنا في هذا النهج سننقل البحرين نقلة نوعية ونتعافى من مرض الطائفية ونعود معسكراً واحداً لا معسكرين.