لعل من أبرز سمات التخلف في مجتمعاتنا العربية هو انشغال شبابنا العربي بتوافه الأمور وربما أخطرها كذلك، فالشاب العربي، إما أنه منشغل بالألعاب الإلكترونية وغيرها أو منشغل بالسياسة التي تؤدي إلى نقطة اللاعودة.
ملايين من الشباب العربي يقعون رهينة بيد التطرف السياسي تارة وتارة أخرى بيد التطرف الديني، وبين هذه الأصوليات المنفلتة هنالك شباب منشغل باللهو عن طلب العلم والمعرفة، وبهذا يكون الشباب العربي اليوم أكثر بعداً من ذي قبل عن بناء واقعهم وصياغة مستقبلهم وأوطانهم، فالملهاة الحقيقية هي أن تفرغ الأوطان العربية من المبدعين والمتعلمين والمثقفين والفنانين.
ما ساهم في هذه الحالة هو نشاط بعض البؤر السياسية والدينية في تغييب دور الشباب من خلال تغييب دور العقل واستلاب مفاصله لصالح الحالة السياسية والدينية، مما ركز هذا السلوك في وعينا وواقعنا الثقافي مدى خطورة استقلال العقل العربي، ورميه في أحضان التبعية للرمز والشخص والقائد، كما كان هذا الشعور بادياً مع بدايات الحركات الثورية في منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم أو مع بروز حركات الإسلام السياسي قبل نحو ثلاثة عقود من الزمن، واليوم يعيد التاريخ نفسه من خلال إشغال الشباب العربي بالانتماء للأشخاص أكثر من انتمائه للأفكار، مما شكل هذا الوعي بأهمية تقديس الأفراد والجماعات الحاضنة للأفكار المعلبة بعيداً عن الحالة النقدية، قطيعاً من الشباب الذي سلم مفاتيح التفكير للرمز / القائد / الملهم / الحالة.
حين يستبعد الشباب العربي عن الحالة «المدنية»، وذلك إما من خلال إشغاله بما يسمى بالألعاب الذهنية طيلة ساعات حياته ليتحول إلى إنسان تافه جداً، أو بدفعه للمساهمة في تكريس مفاهيم سياسية ودينية خاطئة ليصير متطرفاً يكره الحياة، وبين تلك الغفلة وهذه السقطة ينتهي الدور الحقيقي للشباب العربي، وحينها لا يفكر أحدهم سوى أن يكون مشروعاً انتحارياً مطيعاً لأرباب السياسة والدين.
يبدو أن الغرب مرتاح لهذه الغاية؛ وهي انتهاء دور الشباب العربي الفاعل في مجالات المعرفة والعلم، والتهاء كل طواقمه بالحالة السياسية أو الدينية المتطرفة، فانشغال عصب المجتمعات العربية من الشباب عن طلب العلم والجلوس بعيداً عن مقاعد الدراسة والبحث العلمي خلق جيلاً متطرفاً وجاهلاً ومنساقاً بطريقة عمياء نحو الفكر المنحرف باسم الدين، وفي أحايين كثيرة تحت رايات السياسيين المنتفعين من العرب والغرب، وهذا الأمر وفر لأعداء العروبة الكثير من الأموال والأفكار في ظل صياغة متشردة قد تنهي وجود هذه الشريحة الفاعلة من الوجود عبر إحياء تراث يرتسم على أنه تراث قيمي، لكنه منتهي الصلاحية.
يجب أن تنتبه الحكومات العربية وقبل ذلك الأسرة العربية في أن لا يقع شبابها في قبضة التطرف الذي يديره تجار الدين وسماسرة السياسة، وتربيتهم بطريقة علمية حديثة، من أجل صناعة جيل يفكر في إسقاط الجهل، قبل إسقاط أي نظام يختلف معه ولو في كل شيء.

.. للحديث بقية