كلنا يؤمن بأهمية وجوب الإصلاح السياسي والاجتماعي في الوطن العربي، وكلنا يؤمن بوجود أخطاء سياسية واجتماعية يجب إصلاحها بطريقة لا تسقط معها الأوطان والإنسان إلى حافة الهاوية، كما نؤمن جميعنا بعد ذلك بفشل الربيع العربي الأمريكي، ويقيننا التام بأنه ربيع التخريب وليس التغيير.
حين تحدثنا بالأمس عن ضرورة تجنيب شبابنا العربي الدخول في ملهاة السياسة ودهاليز التطرف الديني، فإننا نعني ما نقول، فحصاد أربعة أعوام من بداية الربيع العربي حتى يومنا هذا كان بهدف اختطاف الشباب العربي من مقاعد العلم وإرسالهم إلى جبهات الموت؛ باسم الدين تارة وتارة باسم العدالة، لكننا اكتشفنا اليوم ألا عدالة طبقت ولم نر إسلاماً يمكن أن يكون بديلاً عن الدولة، بل وجدنا قوافل من شبابنا العربي يساقون إلى الجهل أو إلى الموت بحجة الثورات أو التغييرات أو تحت ذريعة إسقاط الأنظمة السياسية، وهذا كله لم يحدث!
مشكلة الشباب العربي الذي هرول «عمياني» على وقع صوت الأمريكي والغربي لأجل التغيير، لم يكن يعي أهمية أن التغيير يأتي من الداخل وليس من الخارج، وأنه يأتي بالطرق الحضارية وليس بالتوحش، ولهذا فإن شبابنا العربي حاول حرق المراحل في خطوة واحدة هي «الثورة»، متناسياً أن هنالك مقدمات علمية للتغيير السياسي تبدأ من الإصلاح، وربما تستمر وتنتهي من خلاله فقط.
كان حرياً بالشعوب العربية أن تبدأ برفع راية الإصلاح خطوة خطوة، لكنها بدأت من النهاية جملة واحدة، دون الانتباه للواقع ومعطياته وما هو موجود على الأرض، واليوم تتفاجأ هذه الشعوب بعجزها الكامل عن تحقيق مبتغاها من خلال ثورات لم تصل إلى طموح أصغر مواطن عربي، أما الدولة فإنها لم تسقط؛ لكنها تخلخلت بطريقة دراماتيكية سيئة للغاية، فغاب النظام في غالبية دول الربيع العربي، وحلت الفوضى التي تم الدعوة إليها من داخل البيت الأبيض في يوم من الأيام.
كان يمكن لبعض الخطوات التي قامت بها الشعوب العربية أن تأتي ثمارها عن طريق الإصلاح السياسي، ولو استغرقت هذه العملية جيلاً كاملاً أو وقتاً طويلاً من الزمان، لكن حين يكون هوس شعار «إسقاط النظام» مغرياً ومدفوع الأجر من الغرب أو من أزلام الإسلام السياسي، فإن الضحية ستكون الأوطان العربية، وسيكون فشل الثورات العربية حجة بالغة لانتعاش اقتصادات الدول الغربية.
أنظمة عربية مهلهلة، وعدم وجود استقرار سياسي واجتماعي، وفقر وبطالة وخوف وغياب تام للأمن والأمان، وتدهور المستقبل وسرقة الثروات العربية مع النفط، وغيرها الكثير من الفواجع المؤلمة، هي حصيلة الربيع العربي، وهي حصيلة الانسياق الأعمى خلف شعار إسقاط الدولة دون وجود الخيار المناسب أو حتى بدون وجود مشروع سياسي يمكن أن يحل محل الدولة.
لقد كشف الربيع العربي الأمريكي مدى فشل مشروع إسقاط الدولة أو نظامها بالكامل، لأن حقيقة الأمر ومعطيات الواقع ومتطلبات المرحلة ومنذ البداية كانوا يرسلون إلينا مؤشرات حول هذا الانطباع الحقيقي عن كل دولة، لكنه الحماس الكبير الذي انجرفت خلفه الشعوب العربية، فلم تنل مرادها ولم ولن تحقق أهدافها بهذه الطريقة، وإن كان للمسألة بعد لا يمكن مشاهدته بالعين المجردة أو بالانفعال السياسي والديني، لأن من لم يستطع قراءة الواقع، فإنه لن يستطيع قراءة ما خلفه بكل تأكيد.