بعد أربعة أعوام من الإرهصات العربية المصنوعة في الدوائر الغربية؛ تبين لنا بكل وضوح مدى قوة الحبكة الأمريكية في تفتيت المنطقة إلى مجموعة كبيرة جداً من «الكانتونات» الموزعة من المحيط إلى الخليج، ولكنها ليست كأي «كانتونات» أخرى؛ بل هي أخطرها وأشرسها على الإطلاق، إنها «كانتونات» الطوائف الممزقة.
يبدو وبكل تأكيد أن الرغبة الغربية الجامحة في توزيع المنطقة يندرج تحت بند المصالح الخاصة، تلك التي تتعلق بالنفط ونهب ثروات العالم العربي المشغول أصلاً بالصراعات والثورات والانقسامات، لكن لا يمكن أن يكون شعار النهب والسلب للمستعمر الغربي هو المدرج في مشروعه الكبير في الشرق الأوسط، ولهذا فإنه استعاض عن كل ذلك بمشروع خفي لا يمكن أن يرى بالعين المجردة، بل يرى عبر أدواته المستخدمة خلف الأستار والأسوار، فكانت فكرة «الطوائف» هي الحل الأمثل لتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ.
يوماً بعد يوم تتكشف لنا ملامح المشروع الغربي في المنطقة، وكيف استطاع من خلال خبرته الاستعمارية الطويلة والتي أعانته عليها شعوب المنطقة من خلال فراغهم الثقافي الكبير أن يوزع أدوار الشعوب والجماعات والقوى السياسية إلى حيث تأخذهم عقائدهم الدينية والأيديولوجية، فصار التقسيم وتفصيل المنطقة حسب تلك النوازع السلبية الضاربة في التاريخ وفي جذور الفكر الديني لأبناء المنطقة هي العامل المساعد، وربما الأساسي في تنفيذ المشروع الغربي الكبير.
اليوم بدأت ملامح التقسيم الطائفي تبدو جلية على الأرض، فهناك هلال شيعي قادم بقوة، وهنالك مناطق سنية قوية بامتياز، وبين هذا وذاك بدأت الأحزاب والجماعات من الطائفتين تتخندق خلف هذا التقسيم الطائفي بكل فخر واعتزاز، لا يهمها من يقف خلف هذا التقسيم، ولا تبالي بما ستؤول إليه أمورها في خاتمة الطريق، رافضين جميعاً أن يحتكموا للعقل وللمصير المشترك، لكنهم حتماً سيدفعون ثمن عنادهم وجهلهم في المستقبل القريب لو أصروا على غيهم.
إن الحرب الحالية والحروب القادمة لن تخــــدم الشيعة ولن تنفع السنــة، لأن المستفيد الوحيد من هذا الاحتراب الطائفي والتقسيم القائم على أهلة شيعية ومناطق سنية، هو الغرب السياسي الطامع لنهب ثرواتنا من خلالنا وليس من خلال غيرنا، فنحن الذين هرولنا بأقصى قوة وسرعة نحو المجهول، وذلك باحتمائنا بالطائفة قبل استقوائنا بالأوطان، فكنا حطباً سريع الاشتعال لمعركتهم من أجل النفط.
دولة سنية تليها أخرى شيعية، تماماً كما هي المساجد الإسلامية الموزعة في شوارع الضياع الإسلامي، فالتقسيم القائم اليوم هو التقسيم الذي يقوم على تقويض الطوائف بوهم انتصار كل منها على الآخر، وليس بالإرادة الحرة التي التي تنتصر للإنسان من خلال تجاوزها وعبورها. إنها محنة الثقافة العربية معجونة بمحنة الإنسان الطائفي. إنها الأزمة الإسلامية الأزلية التي ما زلنا نتقاسم رغيف همومها من خلال الأيدي الآثمة التي تحرضنا على الكراهية ونبذ الآخر، والتي سندفع غمار رهانها في القريب العاجل؛ لكنه الغباء الطائفي الفاحش يا سادة.