عندما تدخل على من لا علاقة له بالسياسة وترمي إليه بخبر وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز فترى أنه لا يتمالك نفسه ويبكي ويترحم عليه ويدعو له بالمغفرة والجنة، فهذا يعني أن هذا الملك تمكن من التغلغل في نفوس الجميع والاستقرار في قلوبهم. وعندما ينعى السياسيون الملك عبدالله ولا يتمكنون من إخفاء الألم الذي تمكن من عيونهم وأصواتهم فيذكرون مواقفه بكثير من الفخر والامتنان؛ فهذا يعني أن هذا الملك كان ذا مواقف لا يملكون معها إلا احترامه وتقديره وإن اختلفوا معها. هذا وذاك وغيره، كله يؤكد أن الملك عبدالله سيظل متربعاً على عرش التاريخ ولن يغيب اسمه، فهو علامة فارقة وراية لا يمكن إلا أن تظل عالية خفاقة، كما هي دائماً راية آل سعود الذين ينظر إليهم أهل البحرين بكثير من الفخر والاعتزاز، وبالتأكيد لا يمكن أن ينسوا مواقف الملك عبدالله تجاه البحرين سواء في أزمتها الطارئة أو قبل ذلك أو بعده، فللملك عبدالله مواقف تاريخية تجاه البحرين التي يعيش أهلها اليوم الحزن العميق على رحيله.
لم يبق أحد في العالم إلا وأشاد بمواقف الملك عبدالله وقدراته القيادية التي أدت قبل رحيله بفترة وجيزة إلى حل مشكلة بدت صعبة بين دول التعاون وهددت بهدم تجربة امتدت إلى نحو أربعين عاماً هي مجلس التعاون، وحل مشكلة طارئة بين بعض دوله ومصر التي يصفها الملك الصالح دائماً بأنها عمق الأمة العربية وسندها وأساس استقرارها وتقدمها ووحدتها. لهذا بدا الألم المصري كبيراً وبدا رحيل الملك عبدالله موجعاً لمصر العروبة التي لا يمكن أن تنسى مواقفه.
فور إعلان رحيل الملك نشرت صحيفة «اليوم السابع» الإلكترونية المصرية على الفور تقريراً اختارت له عنواناً مثيراً هو «خمسة أسباب وراء حب المصريين للملك عبدالله خادم الحرمين»، استعرضت فيه جوانب من العلاقات المتميزة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، واعتبرت القبلة التي وضعها الرئيس السيسي على رأس الملك عبدالله قبل عدة أشهر تعبيراً عن حب وتقدير المصريين لجهود المملكة العربية السعودية تجاه الشقيقة الكبرى مصر، لاسيما بعد ثورة 30 يونيو، وربطت ذلك بالموقف الذي اتخذته السعودية خلال حرب أكتوبر 1973. ونوهت بما فعله الملك فيصل عندما قطع مد أوروبا بالبترول في حرب أكتوبر وقال كلمته المشهورة «عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن وسنعود لهما».
تقرير «اليوم السابع» أعاد إلى الأذهان البيان الذي ألقاه الملك عبدالله في أعقاب ثورة 30 يونيو والذي أكد فيه أن الصامت عن الحق شيطان أخرس وأكد وقوف السعودية حاكماً وشعباً إلى جانب الشعب المصري وما يمر بمصر من أحداث، كما ذكر بالجولة الأوروبية التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لدعم مصر والتي كان لها أثرها الكبير في إدراك حقيقة ما يحدث في مصر.
كان الملك عبدالله قد قال وقتها إن استقرار مصر يتعرض لكيد الحاقدين والكارهين في محاولة فاشلة لضرب وحدته واستقراره، وترجم قوله هذا وسائر أقواله إلى أفعال أدت إلى إجبار العالم كله على احترام مواقف العرب، وكانت سبباً أساساً في صد القوى الغربية التي حاولت التدخل في الشأن المصري وصد قوى أخرى ظلت تحلم طويلاً بأن يفتح لها باب تدخل منه إلى البحرين التي أثبت الملك عبدالله أنها لا يمكن أن تكون صيداً سهلاً، فأفشل بمواقفه وأفعاله كل محاولات الإساءة إلى البحرين وزعزعة الاستقرار فيها.
رحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأعان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على تحمل الأمانة ومواصلة الدرب والعطاء.