لا يمكن أن يقبل العرب أن تنزوي مصر العظيمة في وقت المحن والفتن بهذه السهولة، وهي البوصلة التي كان يتجه إليها العرب وقت الأزمات والشدائد، وهي الخيمة التي كانت ومازالت تستظل بها كل الدول والشعوب العربية، اليوم وعبر التاريخ الحديث، لأنها باختصار ملهمة المثقفين والعلماء والشعراء والأبطال، فهي منارة للعلم والمعرفة، ومنها خرج الوعي العربي في ظل كل الانتكاسات التي مرت على هذه الأمة.
مصر العربية هي التي أنتجت كل ما هو جميل، بدءاً من الفن ومروراً بالعلم وانتهاء بالبطولة، ولهذا يكون من الصعب أن يتقلص دورها أو يتلاشى في فترات حرجة جداً، ربما نحن في أمس الحاجة لوجودها البراق.
إن اختفاء الدور المصيري للوجود المصري من وجودنا كعرب، سيعطي المجال لدول أخرى عربية وغير عربية ليأخذوا دور قاهرة الثورة والعلماء والمثقفين، وهذا أكثر ما يؤلمنا كعرب، فحين نجد أن من كان يقبض على الوضع الإقليمي بكل شجاعة وحكمة أصبح اليوم يمارس دوراً هامشياً أو في أحيان كثيرة بدأ هذا الوجود العملاق يلجأ إلى جهات أقل منه شرفاً وتاريخاً ليستجدي منه الحلول لواقعه الذي أصيب في مقتل.
أصبحت مصر العربية مستهدفة منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي، ولم يتأخر الغرب ومعهم كل صهاينة الأرض في إضعافها وتحطيم وجودها وضرب قوتها وفي النهاية استهداف جيشها العظيم، وذلك عبر سلسلة من الاغتيالات الممنهجة، ربما تأتي ثمارها على المدى البعيد. فالأحداث الأخيرة تشي بوجود مؤامرة عالمية ضد القاهرة، مؤامرة تزعزع فيها كل الأمن وتقضي على عروبتها.
اليوم بدؤوا من سيناء وغداً ربما يبدؤون من مناطق أخرى، وبعد غد سيكون إسقاط قاهرة المعز هو منالهم وهدفهم، وحينها سيكون العرب كل العرب في مرمى نيران أعداء العرب، وهذه هي المؤامرة الكبرى التي كنا نتحدث عنها منذ قليل.
يجب على مصر أن تسترجع هيبتها وقوتها في هذه الظروف الكالحة، وأن تتجاوز أزماتها الحالية بكل ثقة وشجاعة، كما يجب على المصريين اليوم أن يدركوا خطورة أن تبقى مصر بعيدة كل البعد عن الواقع العربي، أو أن ينشغلوا ببعض الإلهاءات السياسية هنا وهناك، فالوجود العربي أصبح في خطر، ومن هنا تأتي أهمية أن تكون مصر حاضرة بقوة في هذه المرحلة الحساسة.
هم يريدون مصر محاصرة ضعيفة مترددة خائفة وربما جائعة وفقيرة، ولهذا سيشغلون المصريين بمعارك جانبية وهامشية ليصرفوا أنظارهم عن «الطبخة الكبيرة» التي تنفذ باحترافية تامة داخل المطابخ الإمبريالية العالمية ضدها وضد بقية الدول العربية، ولذا يجب أن تنهض مصر من الداخل لتتجه للخارج قوية عزيزة صلبة في وجه أعدائها وأعداء الوطن العربي.
يجب على العرب ومن باب الواجب القومي أن يدعموا مصر بكل قوة، حتى تعود مصر التي عهدناها إلى بريقها وقوتها وشموخها بعيداً عن الإملاءات والضغوطات والمساومات، فمصر لا يمكن أن تنحني في وجه العواصف الغربية والاستعمارية، وهي التي علمتنا معنى الحرية. عاشت مصر العربية عنوان كل عربي تائه يتوق إلى العزة الكرامة.