استغلت جمعية الوفاق فرصة تحويل أمينها العام إلى النيابة العامة، التي حققت معه وأمرت بتوقيفه ثم بحبسه وتقديمه للمحاكمة، فسعت إلى إطلاق صفة «أمين الشعب» عليه بغية فرضه كرمز وبطل ومثال للمناضل المثابر والمظلوم، وبغية تسويقه في الخارج على أنه ممثل الشعب والأمين على مصالحه والذي من دونه تضيع ويتوه الشعب.
لم تنتبه الوفاق إلى أن لجوءها إلى إطلاق مثل هذه الصفات على بعض المنتمين إليها إنما يعبر عن فقرها للقدرة التي يمكنها بها تحريك العامة، ويعني أنها تعتقد أن اسم أمينها العام من دون إطلاق صفة جديدة عليه لا يستطيع أن يؤثر في العامة وأنه سرعان ما سيخبو وينتهي أمره.
ولكن؛ أي شعب هذا الذي صار أمين عام الوفاق أمينه؟ الوفاق مجرد جمعية سياسية تعمل في ظل القانون، الأعضاء المسجلون بها في حدود الألفين من بين شعب يزيد اليوم تعداده على المليون، وهو ما كشفت عنه الانتخابات الأخيرة للجمعية، ومناصروها في الشارع قليلون بدليل الأعداد المحدودة التي تشارك في الاحتجاجات على توقيفه ومحاكمته، كما إن نصف الشعب ليس معها، ونصف الشعب الآخر الذي تعتبره تحت مظلتها وتعتبر نفسها الوصي عليه وقائدته يرفض أكثر من نصفه كل ما تطرح، ويتخذ جزء كبير منه موقفاً سالباً منها ولا يوافقها على طريقة تعاملها مع الأحداث، بينما لا تعترف بها المجموعات التي تعتمد برامج مغايرة لبرامجها وتسيطر على الشارع وتقوده.
فكيف لجمعية سياسية محدودة العدد قليلة التأثير يتخذ الغالبية منها موقفاً سالباً أن تعتبر أمينها العام أميناً للشعب، أي كل الشعب؟
ما تقوم به الوفاق في هذا الخصوص يؤكد نهجها وأسلوبها ونظرتها القاصرة إلى الآخرين وإلى الشيعة من شعب البحرين على وجه الخصوص. الوفاق التي تعتبر نفسها الوصي على الشيعة في البحرين والمسؤولة عنهم وأنها الوحيدة التي يمكنها أن تتحدث باسمهم، وصلت إلى مرحلة الاعتقاد أن بإمكانها أن تطلق ما تشاء من ألقاب وصفات على من تشاء من الأفراد، وأنه ليس لأحد أن يحتج أو يرفض أو حتى ينتقد، فهذا أمين الشعب، وذاك وصي الشعب، وهذه كذا، وتلك كذا، وليس للجمهور إلا أن يردد ما يراد منه ترديده، فيسمي هذا بهذا الاسم ويسمي ذاك بذاك الاسم، وأن يفعل ما يؤمر.
مشكلة جمعية الوفاق أنها تعتقد أنها هي الطرف الأبرز بين كل من اعتبر نفسه معارضة، هي تقارن نفسها بالجمعيات الأخرى التي لم يعد لها حول ولا قوة وصارت كلها في جيبها وتردد ما تقوله، رغم الاختلاف الكبير بينها في الفكر والمعتقد. هذه المقارنة لا يعتد بها لأن هذه الجمعيات تعتبر في حكم المنتهية، فعندما تصل جمعية سياسية يسارية إلى مرحلة رفع شعارات ترفعها جمعية الوفاق وهي من الجمعيات الدينية فهذا يعني أنها انتهت.
المقارنة الصحيحة تكون بين الوفاق والمجموعات الأخرى التي تنشط في الساحة وترفع مثلها الشعارات الثورية. هذه المجموعات لو كانت مع الوفاق وتعتبرها قائدة لها وللمعارضة لما اقتصرت المظاهرات التي يتم تسييرها في بعض القرى تعبيراً عن التضامن مع أمين عام الوفاق على هذه الأعداد البسيطة ولاشتعلت الساحة وتطورت الأحداث بشكل لافت. من تابع التغريدات التي تنشر عن عمليات اختطاف الشوارع وإشعال النيران في إطارات السيارات لا بد أنه لاحظ أنها تتم تعبيراً عن الاحتجاج على أمور أخرى غير توقيف أمين عام الوفاق، ويكفي هذا مؤشراً ودليلاً على أن الوفاق ليس لها المكانة الأكبر في المجتمع وفي الشارع إلا في مخيلتها وأنها لا تمثل الشعب وليس أمينها أمينه