تقاعد النواب، وأضيفوا عليه صفة «الإلزامي»، هذا الموضوع الذي أثار ضجة في الفصل التشريعي الثاني لدى الناس، واعتبروه يأتي على حسابهم في وقت كانوا ينتظرون فيه من النواب الكثير على صعيد تحسين المعيشة ورفع الأجور، فإذا بهم يتفاجؤون بأن النواب أقروا لأنفسهم راتباً تقاعدياً «إلزامياً» عوضاً عن ذلك.
بل المؤلم كان حينها، أن النواب لم ينجحوا (وهي حال مستمرة للحظة) في توحيد مزايا صندوق التقاعد وهيئة التأمينات، المسألة التي أضرت بآلاف عاملين في القطاع الخاص، وتركت أموراً معنية بوضع المواطن المالي من ناحية رواتب وتقاعد وغيرها، وتم في المقابل إقرار تقاعد النواب بصورة سريعة وفي وقت قياسي.
ما كتبناه أعلاه ليس بجديد، لكن الموضوع يعود ليبرز مجدداً مع مقترح مقدم لرفع مزايا التقاعد للنواب والشوريين والبلديين، وفي هذا التوقيت تحديداً.
سنسجل لعدد ضئيل من النواب الجدد مواقف طيبة إزاء الموضوع، إذ أذكر أنه بعد نهاية عملية الاقتراع وتحديد الواصلين لمجلس النواب، اقترح النائب خالد الشاعر في تصريح إعلامي نشر في الجرائد أن يتنازل النواب عن «الراتب النيابي» أو ما يسمى «مكافأة نيابية» رغم أن تسميتها أصلاً تجعلك تستغرب أن يكون للمكافأة تقاعد. اقترح الشاعر تنازل النواب عنها، وهي مسألة مستحيلة أن تحصل، فقط لأنه لا يمكن أن يعمل نائب بدون مقابل، حتى لو كان يقسم بأنه يعمل لأجل الناس، فكل عمل له أجر بالضرورة.
بالتالي صرف مكافأة شهرية أو راتب للنواب مسألة عادية نظراً لما يحصل في دول عديدة، لكن المرفوض هنا، وخصوصاً في هذا الوقت، أن يخرج أحد من أعضاء السلطة التشريعية سواء نواباً أو شوريين ليقترحوا زيادة في المزايا، إذ الزيادات التي طالت البرلمانيين ليست بالقليلة، وتغير وضعهم بشأن سقف الراتب (لا تزعلون المكافأة) والبدلات والعلاوات والمزايا حصلت سابقاً ولم تكن أبداً العملية جامدة بحيث إن وضعهم لم يتحرك، وعليه فإن مجرد الحديث عن ذلك فيه استهانة بالناس وتجاوز لمطالباتهم.
المواطن مطلبه المستمر أن يتم تحسين وضعه وزيادة راتبه، لكن يبدو أن بعض النواب والشوريين لا يسمعون ما يقوله الناس، ولربما بعضهم يفهم مطالبات الناس في هذا الجانب على أنها مطالبات لزيادة رواتب البرلمانيين أنفسهم لا المواطنين، ونقولها من باب الدعابة السمجة، عوضاً عن إيرادنا لكلمة «عيب» هنا.
في شأن هذا الموضوع تحديداً، سنسجل للنائب محمد المعرفي موقفه الطيب من خلال تصريحه بالأمس بشأن رفض زيادة المكافأة التقاعدية للنواب والشوريين والبلدين، وتوضيحه بأن العملية تتعارض مع الدستور الذي ينص على مساواة المواطنين، وأن تمرير هذا المقترح من شأنه استثناء المستفيدين من السقف الأعلى للراتب التقاعدي.
لكننا سنزيد في هذا الجانب على النائب المعرفي في كلامه، بأن العملية ليست فقط تتعارض مع الدستور وليست فقط تسعى لتحقيق تجاوز للبرلمانيين والبلديين على حساب الناس، بل فيها من الإجحاف وتخييب ظن المواطن الشيء الكثير.
الناس انتخبوكم لتنفعوهم وتصلحوا أوضاعهم وتزيدوا مكتسباتهم، ولم ينتخبوكم لتصححوا أوضاعكم أنتم وتعملوا على سن قوانين تخدمكم في التقاعد! والله غريب أمر بعض النواب، حتى الآن لم يكملوا أشهر معدودة ويفكرون في التقاعد وفي رفع سقف المكافأة التقاعدية بما يتجاوز ما يحدده القانون.
المشكلة أن هذا يحصل، في وقت يبرز فيه بعض النواب وكأنهم يخوضون حرباً مع الحكومة بشأن برنامجها، وبعضهم يقسمون ويحلفون ويتوعدون بعدم تمرير البرنامج إن لم يتضمن وعودا بزيادة رواتب الناس وإلغاء استقطاع الـ1% (الذي أقره النواب في مجلسهم، وعليهم أن يلغوه في مجلسهم) وغيرها من أمور. كيف بالتالي تستقيم الأمور في هذا الجانب وبعض النواب يريد زيادة نسبة الراتب التقاعدي؟! تناقض صارخ وفاضح.
لا يجوز زيادة أية علاوات ومنح زيادة في المزايا للبرلمانيين، فما تحصلوا عليه يكفي ويزيد. فرجاء لا تكونوا مثل نار جهنم لسان حالها دائماً يقول: «هل من مزيد»؟!