قامت الدنيا وحشدت الطائرات والقاذفات، وتجمعت الحشود والجيوش من كل حدب وصوب لمحاربة «داعش» عندما قطت بعض رؤوس الأجانب، لا تأييد لهذه الأفعال ولا نصرة لهم؛ فقد حرم ديننا الحنيف قتل النفس بغير حق، ونحن نسير على نهج الله ونهج رسوله لا على نهج «داعش» ولا غيرها، ولكن نبرأ إلى الله عندما نقرأ الأخبار عن إعدام ميلشيات صفوية لأكثر من 70 مدنياً بينهم نساء وأطفال وتفجر 12 مسجداً ومئات المنازل في ديالى، حيث أوضحت ناهدة الدايني في اتصال مع «الجزيرة» إن هذه المليشيات تحركت من قرى عدة وحاصرت النازحين من عشيرتي الجبور والمهداوية السنيتين، وأعدمت سبعين منهم بينهم نساء وأطفال أخذتهم من أحضان أمهاتهم وقتلتهم أمامهم، وأن هذه الميلشيات تتحرك بسيارات الحكومة وتتمتع بامتيازاتها، وأن ما قامت به المليشيات يندرج في إطار الاستنزاف الطائفي والتغيير الديمغرافي ولمنع العوائل من العودة إلى مناطقها.
هذه الجرائم تحدث ليس في بورما ولا أفريقيا الوسطى؛ بل في دول خليجية عربية بينها وبين الدول الخليجية خطوط طيران وتبادل دبلوماسي وسفارات مفتوحة تشمر عن ذراعها وتفتح مكاتبها وترسل موظفيها في حالة حدوت وفاة طبيعية لزوار النجف، وتستمر العلاقات متبادلة وعليها تبادل تجاري وزيارات حبية ودية، وكأن الذي يقتل في العراق نعاج وخراف وليسوا مسلمين موحدين ليس لهم ذنب، هذه الجرائم ليست في الزمن البعيد ولا في حقبة التتار، بل تحدث الآن في زمن فيه القنوات مسلطة على كل حادثة، والأقمار الصناعية موجهة تعرف أين يسير هذا الحشد وذاك السرب، إلا أنها جميعها تعمى عندما يكون الضحايا من أهل العراق الوطنيين المنتمين إلى دينهم وعروبتهم، حيث استغلت الحرب على «داعش» كي تطلق ميلشياتها تحت غطاء ملاحقة تنظيم القاعدة وداعش.
هذه الجرائم تحدث مدعومة بالحشد الشعبي المزعم وبغطاء جوي من قوات التحالف بدعوى استعادة المناطق التي سيطر عليها داعش، دون حسيب ورقيب، وهذا الأمر حقيقة وليس ادعاء ولا تلفيقاً، فقد أبادت الحكومات العراقية الصفوية المتوالية أكثر من مليوني مواطن وهدمت مئات المساجد قبل التحالف الدولي على داعش، وما يحدث الآن هو مناسبة جاءت للحكومة العراقية الجديدة لتغطي جرائمها في حق أهل العراق، حين رأت الفرصة مواتية لقتل النساء والرضع حتى تبيد أهل العراق الشرفاء من بذرتهم.
إن ما يحدث في العراق جريمة في حق الموحدين والسكوت على هذه الجرائم هي أكبر جريمة، وذلك حين تمتنع القنوات العربية عن نقل ما يحدث في العراق في حين لم يعجزها أن تنقل ما تقوم به «داعش»، وهذا الصمت الإعلامي والرسمي العربي عن هذه الجرائم سيحاسب عليه كل مسلم سمع ولم يغير؛ لن نقول بيده بل أقلها بلسانه أو بقلمه أو بأي وسيلة وممكنة، وما أكثر هذه الوسائل الممكنة التي تنقل الأخبار عن الفن والفنانين، وما أكثر المغردين الذين يخرجون على مواقع التواصل الاجتماعي من شيوخ دين يتفننون في الصور، ومنهم من يصور مكتبته ومكتبه ومن ينشر أناشيده، ثم لا يأتي بخبر عن أمة تذبح في العراق، فأين هذا الدين وأين هذا الإسلام الذي فيه يذبح المسلمون ولا يزال المسلمون ينشدون أناشيد ويخرجون علينا بخطب رنانة وقصائد وأشعار وبعدها تنكيت ونكات، في اللحظة التي تنزع يد مجرمة خبيثة أطفالاً من حضن أمهم وتذبحهم، هذا ما فعله فرعون؛ بل قد يكون ما فعله فرعون له تبرير بأنه كافر، وساعتها لم تكن هناك أمة مسلمة ولاجيوش، ولم يتبادل موسى مع فرعون تجارة ولا تمثيل دبلوماسي، بل كانت المواجهة التي كانت نهايتها نصر من الله.
فوالله لن يكون هناك نصر ولن يكون أمن وسلام في دولة عربية ولا خليجية ما دام تسكت أمة الإسلام عما يحدث في العراق، ولولا هذا الصمت لما تجرأت هذه المليشيات الصفوية المجرمة، حتى صارت تحصد في رؤوس أهل العراق الموحدين كما تحصد سنابل القمح، لذلك فإن عقاب الله سبحانه وتعالى سيبدأ بهذه الأمة التي أعانت هذه الدولة المجرمة حين اعترفت بها رسمياً وقبلت بها عضواً في الجامعة العربية وفي مجلس التعاون الخليجي.
هذه الحكومة المجرمة لم تتوقف عند قتل أهل العراق وهدم مساجدهم وبيوتهم، بل تقف صراحة وعلانية ضد الدول الخليجية كما تقف الآن ضد البحرين وتحرض على إسقاط النظام فيها، هذه الحكومة لا تعمل بالخفاء ولا بالسر؛ بل تعلن عن جرائمها ومواقفها بكل صراحة وجرأة عندما ضمنت الصمت العربي والإسلامي، بعد أن صمتت عن قتل مسلمي بورما وقتل مسلمي أفريقيا الوسطى، هذه الصمت العربي الذي يشمر ذراعه عندما تهب عاصفة رملية على واشنطن، أو يحصل فيضان في كاليفورنيا أو يصيب اعصار ولاية أمركيية، فينزل لها بالمؤن ويتبرع لها بمئات الملايين من الدولارات والدنانير وتبنى لهم المدارس والمدن، ولكن عندما يحاول أهل ديالى العودة إلى مناطقهم فيقتلوا ويقطعوا هم وأبناؤهم ونساؤهم وأطفالهم، فلا أحد يتحرك ولا لسان يتكلم، ولا نقول إلا لكم الله يا أهل ديالى.