الأسلوب نفسه الذي يعتمده مشايخ إيران وسياسيوها دائماً وأبداً مارسه إمام جمعة طهران المؤقت، الشيخ كاظم صديقي الجمعة الماضية، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يمارس الحكمة وينصح «المعارضة البحرينية»، وتحديداً جمعية الوفاق، كي لا يبالغوا و»يشتطوا» ويزيدوا الطين بلة؛ اختار أن يهاجم حكومة البحرين ويهددها بقوله «إن عدم الاكتراث لدعوات كبار الشخصيات الإسلامية لإطلاق سراح الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق سيسرع من وتيرة زوالها»، فزاد هو الطين بلة.
هكذا بكل بساطة عبر هذا الإمام المؤقت لجمعة طهران عن مستوى «الفهم السياسي» الذي يتميز به مشايخ إيران الذين يتركون دائماً مجالاً واسعاً للشيطان كي يشاغبهم في أمور السياسة، فيبتعدون عن النصيحة والقول الحسن وما يعين على التقريب بين وجهات النظر والدعاء للبحرين لاجتياز هذه المرحلة ويمارسون ما يدفع شعب البحرين إلى اتخاذ موقف سالب منهم ورفضهم وعدم الاكتراث بما يقولونه وبتهديداتهم التي هي من قبيل «لزوم الشيء أعلاه»!
بكل بساطة قال إن «الحكومة لا تبالي بالمطالب القانونية والشرعية لشعبها الذي يريد أن يكون هو صاحب القرار»، فأوقع نفسه في ثلاثة أخطاء؛ الأول هو الافتراء على الحكومة واتهامها بأنها لا تبالي بمطالب «المعارضة» التي هي بالنسبة له جمعية الوفاق فقط من دون أن يتيقن من هذه المعلومة ومن مدى صدقيتها وصدقية المصدر الذي استلها منه، والثاني هو اعتباره مطالب الوفاق كلها قانونية وشرعية وأن الحق معها يدور حيث ما دارت، والأكيد هو أنه لم يعرف من تلك المطالب سوى ما يؤمله أن تفتح باباً للذي هو في باله، والأكيد أيضاً هو أنه لا يستطيع أن يجيب عن سؤال؛ كيف يريد «شعب البحرين» أن يكون هو صاحب القرار. أما الخطأ الثالث وهو الأكبر فهو أنه لم يسمع من الطرف الآخر واعتمد في رأيه على ما وصله من الوفاق أو ربما من بعض المتحمسين لها.
أما الدليل على هذا فهو أنه أشار في خطبته إلى أن «الشعب البحريني حاول وخلال السنوات الأربع الماضية وفي مسيرات سلمية بعيدة عن العنف أن يوصل مطالبه المشروعة للنظام الحاكم»، وهنا أيضاً أوقع نفسه في بعض الأخطاء التي منها أن من يقوم بالمسيرات ليس الشعب البحريني، ولكن فئة محدودة منه أكثرهم فتية صغار لا يدركون في الغالب ما يفعلون، ولا يفعلون ذلك إلا لأن البعض يستغلهم ليكونوا وقوداً وضحايا بعدما أدخل في رؤوسهم بأن الحكومة تعمل ضدهم وتعاديهم وأنه لابد من محاربتها لأن في ذلك نصرة للدين. ومنها أيضاً أنه اعتبر المسيرات التي تقوم بها الوفاق وأولئك الصبية الصغار سلمية، وهو ما يؤكد أنه لم يتابع ما يجري هنا ليرى حقيقة تلك المسيرات ويتوصل بنفسه إلى أنها -أو على الأقل أكثرها- غير سلمية، فالمسيرات التي يمارس فيها التخريب والعنف واختطاف الشوارع وقطعها وتعطيل حياة الناس وتعريض الأبرياء للخطر والدخول في مواجهات مع رجال الأمن ومحاولة تخريب الاقتصاد لا يمكن وصفها بالسلمية حتى لو مارسها مشايخ الدين أنفسهم وأفتوا بذلك.
خطأ إضافي وقع فيه الشيخ كاظم صديقي هو قوله «إن دعاة حقوق الإنسان وعلى مر هذه السنين لم يتخذوا أي خطوة للدفاع عن الشعب البحريني فحسب بل دافعوا دوماً عن الاستبداد السائد في البحرين»، فليست واضحة الأسس التي اعتمد عليها لتقرير أن الاستبداد هو السائد في البحرين، وليست معروفة المصادر التي ركن إليها في قوله إن دعاة حقوق الإنسان لم يفعلوا شيئاً، فما لا يعلمه هذا الشيخ هو أن منظمات حقوق الإنسان ودعاتها هم السبب الأكبر -بعد تدخل مشايخ إيران وسياسييها- وراء تعقيد المشكلة!