يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تعيد حساباتها السياسية والعسكرية في المنطقة، كذلك بقية الدول الغربية، لأن الرسم الأولي للشرق الأوسط الجديد ومن خلال الفوضى الخلاقة لم ينتج سوى المزيد من الصراعات والأزمات السياسية في الشرق الأوسط، وهي كفيلة لو استمرت بتحطيم كل شيء في هذه المنطقة وعلى رأسها المصالح الغربية.
لا نشك لحظة واحدة أن الربيع العربي هو صناعة أمريكية بحتة، بغض النظر عن رغبة الشعوب في التغيير نحو الديمقراطية والحرية، فالتقسيمات المتاحة للأمريكي هي تقسيمات تخضع لقوانين المصلحة، وتستتبع أيضاً كل ما له علاقة بالنفط والموقع الاستراتيجي لدول الخليج العربي وجواره، وكذلك رغبتها الجامحة في تقسيم المنطقة إلى كانتونات وفق قيم الطائفية والمذهبية، ليتسنى لهم بعد ذلك تدفق النفط بكل يسر وسلاسة.
إن ارتدادات الفكر السياسي للأمريكان بات واضحاً للغاية، فلا شيء تحقق من الديمقراطية، ولا شيء يمكن أن يضمن تدفق النفط إلى الغرب بكل أمان، كما ليس هنالك ضمانات لسلامة الوجود الأمريكي في المنطقة، خصوصاً مع تمدد المجاميع الإرهابية بشكل رهيب، وهو ما لم يكن في حسبان صانعة أفلام الإثارة الهوليودية.
نحن على ثقة تامة بأنه لولا تعرض المصالح الأمريكية للخطر، فإنها بكل تأكيد لن تعيد حساباتها في الشرق الأوسط. ومع كل التحركات الخطيرة التي تنتظرها المنطقة؛ إلا أن واشنطن تتحرك وفق الخطوات التي تحمي مصالحها دون مصالحنا، فكلما كان حجم التهديد الإرهابي واضحاً للأمريكي نجد أن رد الفعل الغربي قوياً وواضحاً، أما إذا تعلق الأمر بخطر يطال شعوب المنطقة وحتى حكوماتها فلسان حالهم يقول «إلى الجحيم»!
هل تنتظر أمريكا أن تتعرض مصالحها للخطر المؤكد؛ أو أن تتوقف إمدادات النفط حتى يمكن لها أن تتحرك وفق القوانين الأمريكية؟ هل يعني ذلك أن الوجود الإنساني لهذه المنطقة ليس في وارد الأمريكان؟ هل أصبحت التهديدات الإرهابية هي الخطر الحقيقي حينما تضرب المصالح الأمريكية فقط؛ وحين يضرب الإرهاب دول وشعوب المنطقة فليس بالأمر المهم في العرف الأمريكي؟
تماماً هذه هي العقيدة الأمريكية الواضحة منذ أن تأسست الإدارة الأمريكية وحتى يومنا هذا، فالتعامل بمعايير مزدوجة مع العدو والصديق هي لب الفكر السياسي الغربي، فليست هنالك عداوات دائمة وليست هنالك صداقات دائمة، بل هنالك مصالح دائمة. فليست هنالك أدنى مشكلة عند الأمريكان أن يضرب الإرهاب دولنا، لكن ليس من المقبول أن تتعرض مصالحها للخطر، وهذه هي الازدواجية القذرة التي نختلف فيها تماماً مع واشنطن.
إن الخطر بات واضحاً؛ فليس هنالك دولة أو شعب في مأمن من الحرب القادمة من طرف الإرهابيين، ولهذا يجب على أمريكا أن تتحرك وفق النظام السياسي والإنساني وليس وفق المصلحة الضيقة، فالنار التي تطال جارك إن لن تخمدها ستطالك.
اليوم هل استيقظ الأمريكان؟ هل هي صحوة ضمير؟ أم أنها المصالح الغربية الخاصة، مهما جرفتنا العواطف والتحاليل السياسية في إعطائها الصبغة الإنسانية والقيمية؟ إن الأيام القادمة كفيلة أن تجيب على كل هذه الإشكالات.