هناك لبس واضح لدى الكثير من الناس، ومعهم بكل تأكيد الكثير من القوى السياسية، حين يتعلق الأمر بخلط الأوراق، خصوصاً بين ما هو سياسي وديني واقتصادي، حتى وضع هؤلاء القوم كل الأشياء في السلة السياسية، معتقدين أن السياسة بإمكانها تشكيل الدين حسب مقتضياتها، كما بإمكانها رفع الاقتصاد وخفضه أيضاً بحسب أهوائها.
إن اللعب على ورقة السياسة في كل أمر من أمور الحياة واستغلال قوة هذا العامل في أوطاننا العربية والإسلامية، استطاع أن يؤثر بطريقة خاطئة على مسارات الاقتصاد والدين، ولأن مجتمعاتنا كلها تشرب وتنهل وتطعم من ثدي السياسة؛ فإن كل شيء يمكن أن يستظل تحت راياتها، سواء كانت رايات حق أو رايات ضلال، ومن هنا بات كل من الصلاة والسوق رهينة المنتج السياسي!
إن معاقبة التجار والمسترزقين من الكسبة ومن خلال إقحامهم في عالم السياسة المجنونة؛ لا يمكن أن يكون أمراً مقبولاً أبداً، فكل القوى السياسية في دول العالم المتحضر تحاول قدر المستطاع تجنيب تجارها والكسبة ما يمكن أن ينعكس سلباً على قوتهم وقوت عيالهم، ولهذا فإنهم لا يدخلون السوق في حساباتهم السياسية إلا في الوقت الذي يمكن أن يكون ذلك عاملاً مهماً لتقويتها وتعزيز وجودها، وليس بإضعافها عبر حزمة من القرارات غير المدروسة.
حين تواجه الدولة أو القوى السياسية تحدياً سياسياً صرفاً يكون من الواجب عليهم أن يواجهوا ذلك بطريقة سياسية أيضاً، أما أن يقحموا اقتصاد الدولة أو السوق أو الكسبة من صغار التجار في معركتهم فإنهم لن يجنوا من ذلك أي فائدة يمكن أن تحقق لهم مكسبا من مكاسب السياسة، إلا فيما ندر، فلماذا نعول على المجازفة بأرزاق الناس؟
إن وعي الناس بأهمية أن تكون «الحلول السياسية» في المشكلة السياسية هي الأولوية في أجندة السياسيين سيجنب البلاد والعباد الكثير من الأزمات والمآزق التي يمكن أن تنتجها المعركة «الغلط»، فإقحام الكسبة من صغار التجار وحتى من كبارهم، لا يصنع فارقا سياسيا أو رقما صعبا يمكن أن يغير من المعادلات السياسية القوية والثابتة إلا فيما ندر -كما أشرنا قبل قليل- ولهذا يكون من الأفضل تجنيب السوق توحش السياسة وغلاظتها، وعدم إجبار هذا القطاع في دخول معاركها.
يجب إن يكون من أبرز أهداف الساسة هو دعم السوق والكسبة، لا العكس، فالكثير من المشاريع السياسية يمكن لها أن تضعف الاقتصاد، وبالتالي تضعف ملايين الأفواه في العالم الجائع أصلاً من الحصول على قوت يومها.
ما ينطبق من هذا الأمر على أية دولة من دول العالم ينطبق بالضرورة على البحرين، ومن هنا يكون رأينا المتواضع في ظل موازين القوى السياسية والاقتصادية هو عدم إجبار التجار والكسبة من دخول عالم السياسة، وعدم إجبارهم بإغلاق متاجرهم أو مغادرة أعمالهم بالقوة أو عبر وسائل من الترهيب أو الترغيب أو الضغط، ولهذا نرجو من الجميع تجنيب هذا القطاع الحيوي، ما يمكن تجنيبه من معارك السياسة وصخبها، قبل أن تمتد الآلام إلى كل مفاصل الدولة والمجتمع، فيكون ضحيتها آلاف التجار ومعهم آلاف الأسر بطبيعة الحال، ولعل في تجاربنا القريبة عبرة في هذا الأمر وعظة.