إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين هو مشروع أمريكي/غربي بامتياز، ويتم فيه العمل وفق استراتيجيات متقنة ومحبوكة، لا يستطيع أحد أياً كان من انتقاد أي جزء منها، فالثلاثون عاماً التي قضاها الإعلامي الأمريكي جيم كلانسي في «سي إن إن» لم تعصمه عن الإقالة من القناة عقب تعليقه القوي على «الرسومات المسيئة»، وكاد أن يلحق به الصحافي البريطاني تيم ويلكوكس مراسل شبكة «بي بي سي» بتهمة معاداة السامية، لولا أنه اعتذر وأتبعه معتذراً كذلك متحدث باسم الشبكة.
و«الرسومات المسيئة» هي حلقة أخرى من حلقات مسلسل «استراتيجية أسلمة الإرهاب»، والحلقة الأقوى عرضت في 11 سبتمبر 2001، لتشكل أهم ملامح الاستراتيجية وخطوط تنفيذها بالحرف عبر «الحرب على الإرهاب»، تعززها مفاهيم «من ليس معنا فهو ضدنا».
ومع ذلك، فمثلما كانت هناك علامات استفهام حول حادث تفجيرات 11 سبتمبر، كتب حولها الصحافي الفرنسي تيري ميسان العديد من المقالات والكتب والتحليلات، فالهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية كذلك تنتصب أمامه العديد من علامات الاستفهام والتعجب، منها اختفاء المرايات الجانبية للسيارة التي قيل إنها للمهاجمين بين الفيديو الذي صور تفاصيل الحادثة والسيارة التي قالت الشرطة إنها للأخوين، واتصال كواشي وكولوبالي بقناة «بي إف أم» الفرنسية وسردهما لكامل القصة على المباشر، رغم أنهما كانا ملاحقين من قبل الشرطة الفرنسية، وصياح الأخوين بعد الهجوم في شارع خال من المارة بأنهما «انتقما للرسول» دلالة على أنهما كانا يعلمان أن هناك شخصاً يصورهما، ومن هو هذا الشخص الذي يصور من النافذة بدون خوف ولا توتر منذ بداية الهجوم وحتى نهايته؟ وغيرها من الأسئلة، التي يضاف إليها تصريح مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني الفرنسي جان ماري لوبان، الذي قال فيه إن «مجزرة شارلي إيبدو» قد تكون من عمل جهاز مخابرات بالتواطؤ مع السلطات الفرنسية.
والدول الإسلامية ارتضت أن تكون متفرجاً على هذا المسلسل دون أن «تنبس ببنت شفة»، صحيح نحن بارعون في التصريحات والشجب والإدانة و«الكلام» بلا فعل إيجابي أو هو متروك لآخرين من دوننا لا يعبرون عنا وينتهجون العنف للتعبير عن مواقفهم.
وبدأت وسائل الإعلام الغربي تقنن محاور هذه الاستراتيجية، ربما، منذ حادثة التفجير الإجرامي للمركز التجاري العالمي في مدينة نيويورك خلال شهر فبرار عام 1993. إذ نشرت بعض الصحف الأمريكية خبر القبض على أحد المتهمين في الحادثة، وهو عربي مسلم، بعنوان يقول «القبض على إرهابي مسلم»!، فيما لم تصف ذات الصحف، تزامناً مع هذا الحادث، المتطرف ديفيد كوريش الذي احتجز عدداً من أتباعه ودارت بينهم وبين الشرطة الأمريكية معركة مسلحة سالت فيها الدماء، بـ«الإرهابي المسيحي».
هو ليس كيلاً بمكيالين، عندهم.. فالأول يندرج ضمن استراتيجية «أسلمة الإرهاب»، أما الآخر فهو حادث عادي لمجرم تم التعامل معه وفق نظم الشرطة.. والصحافة ووسائل الإعلام تفرق جيداً بين هذه الأمور، لذلك تعمل بوعي «التضليل الإعلامي».
وتجرى المحاولات الجادة والكبرى من قبل الفضائيات والصحف الغربية والأمريكية من أجل رسم واقع للأزمات بشكل مختلف عن الوقائع الحقيقية كما جرت، خدمة للأهداف الاستراتيجية لتلك المؤسسات الإعلامية التي غالباً ما تكون جزءاً من مؤسسات مالية تعمل في مجالات التصنيع الحربي وتوريد العتاد للجيش الأمريكي، كما هو الحال مع شركة «جنرال إلكتريك» المالكة لشبكة «NBC»، وفي فرنسا شركة «ماترا Matra» التي تصنع الأسلحة وترتبط بشركة «هاشيت Hachette» التي تسيطر على إذاعة أوروبا رقم 1 وعلى قناة التلفزيون الخامسة.
متى تنتبه الدول الإسلامية لوضع استراتيجيات تعمل وفقها في علاقاتها مع الغرب بالعموم والولايات المتحدة على وجه الخصوص؟