"الجنسية امتياز وليست حقاً" هذا ما خلص إليه الجدل البريطاني حول قرار وزيرة الداخلية بسحب الجنسية من عائلة كاملة أضرت بالأمن البريطاني وبسلامته، وللعلم وزير الداخلية يملك اختصاص سحب الجنسية من "المشتبه" بهم ودون الرجوع للحكومة!!
هذا المبدأ هو ما توصلت إليه أعرق الدول الديمقراطية وأكثرها تمسكاً بوثيقة حقوق الإنسان الدولية وأكثرها دفاعاً عن حقوق الإنسان في المحافل الدولية، وأكثرها مراقبة لها وأكثرها تصريحاً بحث بقية الدول بالالتزام بها، توصلت في نهاية المطاف أن الجنسية امتياز وليست حقاً، وإن كان يمنح للإنسان حال ولادته، إلا أن عليه الالتزام باستحقاقاتها فإن هو أخل بها سحبت منه لا بحكم قضائي إنما بقرار من وزير الداخلية ودون الرجوع للمجلس الوزاري، فذلك "أمن الدولة" هو المهدد وهو الذي يكون في موقع الخطر، وحين ذاك يتراجع أمن الإنسان ويعود للخلف، فأمن الدولة له أولوية لأنه أمن جماعي أمن يمس الناس، والقاعدة المنطقية العدلية والشرعية تقول إن تعارض الحقان حق الفرد وحق الجماعة، فالأولوية لحق الجماعة.
فرنسا الآن تحضر لقانون سحب الجنسية لمن يضر بالأمن الفرنسي وهكذا هي بقية الدول الأوروبية، العالم أصبح متفهماً لحق الجماعة في الأمن على حساب حق الفرد بعد أن تعرض هذا العالم المتمدن لتهديدات جماعية نسوها بعد أن استقرت دولهم بنهاية آخر الحروب عام 1945 نهاية الحرب الثانية، بعدها ولدت أجيال عاصرت حالة من الأمن والهدوء بعيداً عن الاضطرابات التي تسود بقية أجزاء الكرة الأرضية، شعوبهم عاشت حالة من الاستقرار لم تشعر بأية تهديدات جماعية، لذلك جعلوا من معركة حقوق الفرد معركة أساسية معركة إنسانية عالمية عملوا على تحقيقها لا عندهم فقط بل في العالم أجمع، إلى أن شعرت مؤخراً الجماعات والشعوب أن هناك مهدداً حقيقياً لأمن الشعوب، حينها بدؤوا مرة أخرى في مراجعة التقاطعات بين حق الفرد وحق الجماعة، وها هم اليوم يقرون لأنفسهم لمبدأ أنكروه على الشعوب الأخرى، أن أمن الدولة أي أمن الجماعة مقدم على أمن الفرد في حال تهديد هذا الفرد لأمن الجماعة.
اليوم جاز لهم أن يسقطوا عنه حق الجنسية لمجرد الاشتباه وجاز لهم احتجازه دون محاكمة وجاز لهم مصادرة "رأيه" حتى وإن كان رسماً كاريكاتيرياً أو تغريدة، واستدعاؤه والتحقيق معه وإحالته للمحاكمة، بل جاز لهم التحقيق مع الأطفال حتى وإن كان في الثامنة من عمره لمدة ساعتين ومع والديه لأنه أشاد بمرتكبي تشارلي إيبدو في الصف!! وجاز لهم إيقاع عقاب جماعي على أسرة كاملة إن هدد بعض من أفرادها أمن وسلامة الدولة، كل هذه الوقائع تحدث الآن في أوروبا ستغنينا كثيراً عن شرح أسباب ومبررات سحب الجنسية عن أفراد هددوا أمن وسلامة الدولة في مملكة البحرين.
ودمتم