مقابل البعض الذي أبدى تحفظه على قرار سحب الجنسية من مجموعة من المواطنين وعبر عن انزعاجه بطريقة أو بأخرى واعتبره عقاباً مبالغاً فيه، يوجد بعض آخر أيد القرار وتساءل عن سبب تأخر الحكومة عن اتخاذه كل هذا الوقت. الطرفان ينظران كل إلى الموضوع من زاوية مختلفة؛ هذا رافض له وذاك مؤيد، هذا يراه مخالفاً لمبادئ حقوق الإنسان وللقوانين الدولية وذاك يراه حقاً للدولة وسبباً لحفظ حقوق الإنسان المتضرر من تصرفات ذاك الإنسان، بينما تنظر الحكومة له من زاوية ثالثة يتوفر معها تفاصيل لا تتوفر لذينك الطرفين اللذين من الطبيعي أن يقبل أحدهما بالقرار ويرفضه الآخر، ومن تابع مواقع التواصل الاجتماعي منذ الساعة الأولى التي صدر فيها القرار لا بد أنه لاحظ الانقسام بين المتداخلين وتوزعهم بين مؤيد له ومتحفظ عليه.
القرار دونما شك قاس، حيث تجريد المواطن -في أي دولة- من الجنسية يعني إدخاله في مشكلة عويصة يترتب عليها أمور حياتية كثيرة وصعوبات في الحاضر والمستقبل لا تقتصر عليه فقط وإنما تمتد إلى أبنائه أيضاً، لهذا فإن اتخاذه يكون دائماً -بالنسبة للحكومة هنا في البحرين- في آخر المطاف، وبعد أن تتيقن أن الشخص المعني مستمر في غيه ولا يستجيب للنصح، أي أن الحكومة تعتبر هذا القرار كما الكي الذي هو آخر الدواء، والأكيد أن الحكومة لم تتخذ هذا القرار إلا بعد أن جربت وسائل أخرى كثيرة أملاً في أن يعود من صدر القرار بحقهم إلى رشدهم ويتراجعون عن سلوكهم المسيء للوطن، أي أن الحكومة لا بد أنها أعطتهم العديد من الفرص لمراجعة أنفسهم وإعادة حساباتهم، ثم عندما تبين لها أنهم مصرون على الانحراف عن جادة الصواب اتخذت القرار المؤلم، والذي هو مؤلم بالنسبة لها أيضاً.
موضوع كهذا يدفع بشكل تلقائي إلى مسألة أهمية التفريق بين الحراك بغية الإصلاح والحراك بغية إسقاط النظام. الدولة ليست ضد من يطالب بالإصلاح، فهذا من حق كل مواطن، ذلك أن الإصلاح يعني توفر الرغبة للتطوير وليس العنف من أدواته، بل إن الدولة نفسها تنشد الإصلاح وتدعو إليه، لكنها بالتأكيد ضد الدعوة إلى إسقاط النظام الذي أساسه ووسيلته العنف.
مشكلة من أسقطت جنسياتهم أنهم لا يريدون الإصلاح وإنما يسعون إلى إسقاط النظام، وهم يرددون هذه الشعارات ويعبرون عن ذلك بوسائل عنيفة، بل إنهم يفهمون الإصلاح على أنه إسقاط النظام، ويرون أن الإسقاط أمر مفروغ منه وأنه حاصل لا محالة.
ترى كيف للدولة أن تقبل أن يستمر مواطنها الذي يريد إسقاط نظامها ويسيء إليها قولاً وفعلاً ويدعو رموزها للرحيل تحت مظلتها؟ هذا السؤال طرحته على نفسها دول كثيرة من بينها دول متقدمة ترفع شعارات براقة، وكان جوابها هو إسقاط جنسية من يريد إسقاط أنظمتها من دون تردد، هكذا باختصار وبكل بساطة.
عندما شهدت بريطانيا قبل سنوات قليلة أعمال فوضى وشغب من قبل بعض مواطنيها تعامل رئيس وزرائها، ديفيد كاميرون، الذي خشي من تفاقم الوضع مع المتورطين في تلك الأعمال بقسوة مبالغ فيها ومقصودة ولم يستثن حتى الصغار منهم، فقد اعتبر كل طفل رمى حجراً خارجاً عن حصانة القانون، وبالتالي فإن مثله مثل الكبير يستحق العقاب. ولعل الجميع يتذكر عبارته المشهورة التي ملخصها «عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي فلا تسألني عن حقوق الإنسان».
ليست البحرين الوحيدة بين دول العالم التي اتخذت هذا القرار، فالعديد من الدول تلجأ إليه في حالات معينة بينها دول ترفع الشعارات المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان ومدون اسمها في قائمة الدول الديمقراطية.