يوم أمس تضمن حدثاً تاريخياً بالنسبة لتاريخ مجلس النواب في البحرين، وبغض النظر عن النتائج، فإن المجلس الذي انتخبه الناس كانت له الكلمة الفصل في قبول أو رفض برنامج الحكومة للسنوات الأربع، وهذه بحد ذاتها قوة جديدة تضاف لقوة المجلس الموجودة أصلاً، والتي قد لا تكون ملموسة بسبب أن كثيراً من الأدوات الدستورية التي يمتلكها لم تفعل في الفصول السابقة، على رأسها طرح الثقة بالوزراء.
عموماً؛ لو لخصنا الحراك الذي حصل طوال الأسابيع الماضية بين النواب والحكومة بشأن البرنامج لخلصنا لعدة أمور، أهمها بأن النتيجة بينت وجود نسبة عالية من التعاطي المتقدم لدى النواب، البعيد عن التشنج والعصبية وأسلوب «الفزعة» والصراخ الذي كنا نعتاد عليه، والذي كنا نراه بصورة رهيبة حينما تصدر تقارير الرقابة المالية، ويتضح بعدها أن صراخ النواب -حينها- ليس سوى زوبعة في فنجان الإعلام.
السؤال المهم هنا؛ هل تمرير البرنامج بصورته النهائية وبعد إضفاء تعديلات عليه من قبل النواب، وبعد قبول الحكومة بعدة أمور أدت لتمرير التعديلات، هل تمرير البرنامج يعتبر انتصاراً للنواب أم الحكومة؟!
لا تجيبوا السؤال أعلاه؛ إذ فقط نريد بيان واقع عايشناه طوال الأسابيع الماضية، يتمثل بأن كثيراً من الناس اعتبروا ما يحصل وكأننا في «حلبة مصارعة» والمباراة تقام على «حزام ثقة الناس» بين «النواب» و»الحكومة»، ولهذا كثيرون بدؤوا يهاجمون النواب ويخونونهم لأنهم مرروا البرنامج متناسين أن تعديلات كثيرة حصلت عليه، ومكاسب أخرى تحققت لا يمكن الاستهانة بها أو التقليل من شأنها.
نعم هناك ثلاثة نواب كرام تحفظوا على البرنامج ولم يصوتوا معه، وهذا بحد ذاته شيء إيجابي يعكس واقع الحرية الذي تعيشه البلد، إذ تحفظات النواب الثلاث يجب أن تكون أيضاً موضع تقدير واهتمام، لأنها -ونحسبها كذلك- نابعة من وجهات نظر بشأن أمور معينة قد تكون وجهة نظرهم صائبة لكن مدى تحقيقها في الوقت الحالي هو الفيصل.
وهنا يقول بعض الناس لائماً النواب؛ لماذا قبلتم تمرير البرنامج بدون إقرار زيادات الرواتب على سبيل المثال. وهنا كرأي لنا ككتاب نكتب بشكل دائم عن تحسين معيشة المواطن ورفع الرواتب نقول بأن هناك أموراً من الصعوبة جداً أن تقر في فترة شهر وبدون أن تكون نتيجة لحراك برلماني حقيقي، وما نعنيه بأنه من الصعوبة حتى على الحكومة نفسها أن تقر زيادة للرواتب في مدى شهر بربط المسألة بتمرير البرنامج، وذلك لسبب بسيط جداً، يتمثل بأن مثل هذه الزيادة تحتاج أولاً لفتح اعتماد إضافي في موازنة الدولة، والنواب أنفسهم يعرفون قبل غيرهم بأن هذه المسألة صعبة التحقق في ظل عدم الوصول لمرحلة مناقشة الميزانية، وعليه من الصعوبة أن تمنح الحكومة وعداً منذ الآن لتحقيق ذلك في ظل عدم معرفة مصير الميزانية ومدى تحسن الأوضاع الاقتصادية الحالية وسعر النفط.
مثل هذه المشاريع -زيادة الرواتب- من الأفضل لها أن يتحرك عليها النواب الأربعون بأكملهم في حراك واحد وعبر مشروع واحد يتقدمون به ويعملون على أن يكون إلزاماً تحققه الدولة، وهنا يمكنهم أن يحققوا مكسباً رائعاً للناس، لا بأسلوب المساومة، بل عبر ممارسة دورهم الحقيقي عبر الأدوات المتاحة.
ورغم ذلك، فإنه لم يمنع الحكومة التعاطي مع النواب في شأن بعض المواضيع التي يمكنها التحرك فيها بصورة سريعة، مثلما حصل مع موضوع فصل الراتب بشأن الإسكان وبأثر رجعي بحيث يحفظ حق الطلبات القديمة، إضافة لوقف استقطاع الـ1% والتقاعد المبكر للمرأة، إضافة لبعض العلاوات الخاصة وغيرها من أمور خدمية، وفي هذه المسألة يشكر عليها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان على تفاعله السريع والإيجابي مع النواب، وإثبات بأنه ليس رئيس وزراء فقط، بل هو لاعب لدور النائب أيضاً القريب من الناس المتأثر بمطالبهم.
هناك ملفات وأمور لا يمكن تحقيقها على وجه السرعة، بالتالي التصلب في الرأي بشأنها قد لا يوصل النواب لطريق مفتوح، بل قد يوصله لطريق مسدود، وهنا لن تخسر الحكومة شيئاً بقدر ما سيخسر الناس من وقت المجلس ومن وقت العمل في المشاريع الوطنية الأخرى.
البرنامج أقره النواب، وعلى الفور -كما عودنا- وجه سمو رئيس الوزراء وزراء الحكومة للتفاعل الفوري والعمل على تفعيل البرنامج والتعاون مع النواب لأجل خدمة المواطنين، توجيهات الأمير خليفة هي الآن بداية الانطلاقة لتطبيق البرنامج والعمل لتحقيق تطلعات الناس.
نحسب للنواب اجتهادهم في العمل على البرنامج وعدم تمريره هكذا دونما تمحيص وتدقيق، ونشكر لهم ملاحظاتهم وتعديلاتهم، ونشكر للحكومة تعاونها، ولرئيس الوزراء كل ما يفعله لأجل الوطن والمواطن.
تبقى أهم العوامل التي أثرت في وجود هذه النتيجة متمثلة في شخص سمو رئيس الوزراء، فهو لم يقتصر في اعتماده على اجتماعات اللجنة النيابية والوزارية، بل كانت له لقاءاته الدائمة بالنواب، وكانت له تصريحاته وتأكيداته وتوجيهاته وأوامره بشأن التعاون الإيجابي مع ممثلي الشعب، هذا الأثر الواضح للأمير خليفة هو ما يبين لنا قدر هذا الرجل الكبير بقيادته وحنكته، ولذلك لسنا نستغرب تصريحات عديد من النواب، تلك التي على شاكلة تصريح النائب الشيخ نبيل البلوشي الذي قالها بصراحة: «الشعب يريد مكتسبات ملموسة والذي جعلني أوافق على برنامج الحكومة هي تطمينات سمو رئيس الوزراء».
نعم، الأمير خليفة بن سلمان يظل صمام أمان للمواطن، فهو أول من يقف للوزراء إن عملوا بما يخالف مصلحة الناس، وهو أول من يقف مع النواب حينما يتحركون لأجل المواطن، والأهم هو أول من يقف مع المواطن حينما يتنامى لعلمه أي حالة لمعاناة أو أزمة أو مشكلة.
ثقتنا كبيرة بالأمير خليفة بن سلمان، ندعو له بطول العمر والصحة والقوة، فهو عضيد وسند جلالة الملك الحبيب حفظه الله، وهو أسد هذه البلد ونبض شعبها المحب.