نلوم نفوسنا على تقصيرنا في حق جنود الوطن، الذي كانوا من أهم من يخط فيهم القلم، فمعذرة وإن كانت المعذرة لا تفي بحقكم وقدركم، فأنتم من تستحقون الثناء، فما قدمتم من تضحيات فهي علم معلوم محفوظ في ذاكرة وقلب كل مواطن بحريني، عندما ضربتم مثال الشرف والأمانة وحملتم راية المجد، وغديتم في سبيل الله تدفعون كيد من جار وظلم، فقد حزتم كل صفات الشجاعة والمروءة التي ستبقى منها البحرين دائماً وأبداً أرض الكرامة والشمم.
فنخبة الشجعان بأن ظلها وسطع نجمها في سماء البحرين عندما جاء الشيخ أحمد الفاتح إلى أرض البحرين العربية محرراً من الطاغوت والطغيان الذي مر بها، كما مر على باقي الدول عربية وخليجية، وهكذا بدأت النبتة الصالحة تضرب جذورها وترتفع أغصانها معانقة سماء البحرين، إنها قوة دفاع البحرين التي شاركت مع أشقائها في تحرير الكويت، وقامت بدورها الوطني حين حفظت البحرين أثناء المؤامرة الانقلابية، وأعادت إلى أرضها الأمن والأمان، فكانت العين الساهرة على كل قرية ومدينة وشارع، حتى أصبحت البحرين واحة أمان وسلام كما كانت، بعد أن كادت تكون ساحة حرب ودمار، والفضل يرجع من بعد الله إلى حماة الوطن الذين استطاعوا بصبر قادتهم وحنكتهم أن يجعلوا من هذا الجيش حافظاً للأرواح وأميناً على الأملاك دون أن يطلق رصاصة واحدة، فهذا هو التفوق العسكري، حيث يستطيع الجيش أن يبسط الأمن فقط بهيبته وعدالته وحكمته لا بقنابل طائرات ولا راجمات.
ولا بد هنا أن نذكر أيضاً أن ما يزيد القوة العسكرية تفوقاً ومقدرة على القيام بدورها في حماية الدولة من الداخل، هو التركيز على أعداد الكوادر الفنية لإدارة المؤسسات الحكومية والمنشآت الحيوية من محطات كهرباء وماء ومن تشغيل مصانع والإشراف على المختبرات الكيميائية، واتصالات ومواصلات من قيادة طائرات مدنية، وغيرها من تخصصات تكون قادرة على إدارة البلاد وقت الأزمات، سواء كانت أزمات حربية أو عصيان مدني أو مؤامرات انقلابية، أو وقوع كوارث طبيعية، فنحن في ظرف وزمن كل الاحتمالات من الوارد حدوثها.
كما تقع اليوم المسؤولية على الدولة في تخصيص الميزانية القادرة على تهيئة الجيش وتدريبه وإعداده عسكرياً وفنياً، وشراء الأسلحة المتطورة وبناء المصانع الحربية، وها هي الدول الكبرى قد نمى اقتصادها عندما اعتمدت على نفسها في التصنيع، كما استثمرت هذه الصناعات ببيع الأسلحة، وهذا التصنيع لا يحتاج إلى عبقرية بل يحتاج إلى استراتيجية حربية تكون المصانع الحربية على رأسها، وها هي الجيوش منذ القدم تصنع سهامها ورماحها ونبالها ودروعها، كما صنعت أنواع المتفجرات والمدافع في وقت لم تكن فيه كليات ولا جامعات ولا مصانع ولا مهندسين ولا متخصصين، ولكن كانت الحاجة أم الاختراع، وما أمسها اليوم من حاجة ولو بأقل القليل من الصناعات الحربية، التي ستكون دافع للدول الخليجية الأخرى، التي دائماً ما تكون البحرين سباقة في كل مجال.
وبهذه المناسبة نستذكر هنا إعداد الجيوش الإسلامية على مر بعض السنوات، لما لإعداد الجيش من أهمية في ميادين الحرب، ولما لها من قدر في حسم النتيجة، فكيف إذا اجتمع الكم والنوع، والبحرين لله الحمد تزخر بالنوع كما لديها الكم الذي سيكون عدة واستعداداً للأمة والوطن، حين تستقل طاقات الشباب في بناء قوة البلاد العسكرية، وما أكثر الشباب المخلص في هذا البلد، ولقد بلغ أعداد جيش المسلمين في العام 10 هـ «13.000 جندي»، 11 هـ «18.000»، 12 هـ «41.000»، 13 هـ (37.000»، 19 هـ «74.000»، 27 هـ «80.000»، 31 هـ «100.000»، 36 هـ «120.000»، وذلك يبين أن زيادة أعداد الجيوش تتماشى مع حاجة الدولة الإسلامية لبسط نفوذها آنذاك، هذه الجيوش التي سطرت أقوى حضارات العالم وأطولها، وما التاريخ العسكري البحريني اليوم إلا امتداد من جيوش هذه الأمة التي أنجبت رجالاً حملوا راية الدفاع عن شعوبها وأرضها ومقدساتها، وما فتح البحرين على يد الشيخ أحمد الفاتح إلا شاهد على امتداد لهذه الحضارة، والتي ستظل ممتدة طالما تواجدت العزيمة، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم، وها هو جيش البحرين الباسل بقيادة جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله، والمشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد القائد العام لقوة دفاع البحرين، يمثل امتداد ونموذج للجيش العربي المسلم الذي سيكون ذخراً للبحرين ولدول الخليج العربي والأمة العربية الإسلامية، فألف تحية وتقدير لحماة الوطن في هذه الذكرى المجيدة.