لعل الوصف الأكثر دقة للتعريف بالفترة الحالية التي دأب ما يسمى بائتلاف فبراير على توظيفها لشحن الفتية بغية الاستفادة منهم في عمليات التخريب ونشر الفوضى، التي يأمل من خلالها تحقيق بعض أهدافه، هو شهر التحريض والتخريب. تشاركه هذه المرة، ولكن من دون التواري خلف ستار، جمعية الوفاق التي لم يعد مناسباً أن تستمر في البقاء في الكواليس، فليس معقولاً أن تترك لهذه المجموعة أو غيرها الاحتجاج على محاكمة أمينها العام ولا تشاركهم برامجهم.
هذا يعني باختصار أن ائتلاف فبراير استطاع أن «يجر رجل» الوفاق ويجعلها تعمل على المكشوف وتضع يدها في يده، فقد وضعها أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تصمت وتتوارى وتقبل بما جرى ويجري عليها فتصغر في عيون الجمهور وتتحمل ما يصلها من لوم وعتاب، أو أن تخرج من مكمنها وتعمل «أشكره» مع ائتلاف فبراير ضد الحكومة.
في كل الأحوال تظل الوفاق هي الخاسر الأكبر، وستجد نفسها بعد قليل وقد صارت على الحافة قبل أن يختل توازنها وتقع وينتهي أمرها، ذلك أن جمهور الفتية الذي خرج محتجاً على محاكمة أمينها العام لن يقبل بأن يراها تقف هكذا متفرجة من دون أن تشاركهم في مسيراتهم وفي أعمال التخريب أيضاً، ولن يقبل ائتلاف فبراير منها التراجع بعد انتهاء موضوع أمينها العام لأنه في هذه الحالة سيفضحها قبل أن يدوسها، فتضطر إلى دفع عناصرها للمشاركة في عمليات التخريب من دون قناع. وبما أن الوفاق خسرت الحكومة بقطع كل الخيوط معها وعدم تركها مسافة للتراجع، لذا فإنها تبدو في وضع «كش مات» في رقعة الشطرنج حيث لا مفر ولا مخرج.
هذه المرة تشارك الوفاق المجموعات التي دأبت على التخريب ونشر الفوضى بصورة علنية، ولعلها بعد قليل تصدر البيانات المشتركة مع ائتلاف فبراير وغيره من المجموعات التي تعتمد العنف سبيلاً. هذه المرة لن يجد الوفاقيون «الكبار» عذراً للبقاء في الصفوف الخلفية، فهم إن لم يبرزوا في المشهد ويتقدموا الصفوف فسينتهون وإلى الأبد.
كل الإعلانات التي تتضمن دعوات التحريض للخروج في مسيرات واختطاف الشوارع وافتعال الأزمات تصدر هذه المرة بتوقيع الوفاق أيضاً وليس بتوقيع ائتلاف فبراير وحده، وهذه المرة ستنفذ الوفاق بعض تلك العمليات لوحدها كي تثبت أنها تحولت كلياً إلى هذا الطرف ولم تعد كما كانت تحاول أن تمسك العصا من الوسط. هذا يعني أن الجمعيات السياسية الأخرى التي صارت تأتم بالوفاق بعد أن صارت في جيبها ستجد نفسها مضطرة لمشاركة الوفاق في أعمال التخريب والعنف، وهذا لن يكون في صالحها إن فعلت، وسيخرب علاقتها وتضامنها مع الوفاق لو لم تفعل.
إحياء فعاليات سياسية بهذه الطريقة التي بدأ الإعلان عنها ليس في صالح الوفاق، وسيؤدي إلى إضعاف «المعارضة»، فالممارسات التي تدعو إليها تلك الإعلانات تقود إلى العنف والتخريب ونشر الفوضى والتأثير سلباً على حياة الناس، مواطنين ومقيمين، ويهدد أرزاقهم ويعرضهم لمخاطر شتى، وقد يفقد البعض حياته كون بعض تلك الممارسات تؤدي حتماً إلى حصول مواجهات مع رجال الأمن الذين عليهم واجب توفير الأمن للجميع.
كان الأولى أن تحاول الوفاق استيعاب هذه المجموعات، خصوصاً ائتلاف فبراير، الذي يفتقر إلى الخبرة ولا يعرف معنى العمل السياسي وتصل معها إلى رأي يؤدي إلى تهدئة الساحة وليس إشعالها، لتتمكن من فتح قناة اتصال جديدة مع الحكومة، والتي من الطبيعي أنها إن وجدت أن «المعارضة» عادت إلى رشدها فإنها ستتعامل معها بما يستوجبه الوضع الذي صارت فيه وستنقذها من وضع «كش مات».