كل من يتابع تعليقات المواطنين حول برنامج عمل الحكومة سيلاحظ بأن الشعب البحريني لا يدري ماذا يريد، تسأله هل اطلعت على برنامج الحكومة فيجيبك لا، ولكني أعتقد بأن البرنامج غير مناسب. وتتبعه بسؤال لماذا هو غير مناسب؟ فيقول لك: لم تتحقق مطالبنا بعد، وبالعامية سأقولها «اشدخل هذا في ذاك»، وما هي متطلباتك بالتحديد؟
لن أتحدث فقط عن برنامج عمل الحكومة، فمثل هذه الحوارات تدور في معظم لقاءاتنا، ترى أحدهم «يتحلطم» على وضع الدولة ويبين عدم رضاه عن الخدمات المقدمة من قبل الدولة وعندما تسأله ما الذي لا يعجبك تحديداً، تراه يتلعثم ويقول مستوى التعليم الحكومي غير مرضٍ في البحرين، وتاره يقول مستوى الصحة «تعيس»، وتاره يقول «قوانين مملكة البحرين رخوة». وتسمع آخرين يهمسون في خفاء «خدمات البحرين تتجه لغير مستحقيها». وإلى هذا الحد يكون الحوار منطقي جداً ولكن؛ ما هي الحلول؟ وماذا فعلنا نحن الشعب لكي نلفت نظر الدولة إلى أن خدماتها لم تعد مرضية بالنسبة لنا؟ وأن الزمن تغير، والعالم تغير، ويجب على الدولة أن تواكب هذا التغيير.
إن الشعب هو مصدر السلطات، وهو المتحكم الأول والأخير في باقي السلطات، ولكن ما هي مواصفات هذا الشعب «صاحب السلطة»؟ أهو الشعب المرتهن بإشارة «قائد رأي واحد»؟ أم هو الشعب «المتفلسف» الذي يبني حياته على فرضيات واعتقادات ليس لها أساس من الصحة وتوقعات خالية من المضمون وصعبة التطبيق؟
نقول نريد أن نكون مثل باقي الدول ونعقد مقارنات كثيرة، نريد أن يكون مستوى دخلنا مثل الشقيقة قطر، ونريد أن نكون مبتكرين مثل الشقيقة دبي، وغيرها من المقارنات غير الواقعية؛ فهل من المنطقي في ظل الأوضاع الراهنة أن نقارن أنفسنا مع الشقيقة قطر التي تعد من أعلى دول العالم من حيث إنتاج ومخزون الغاز الطبيعي من حيث مستوى الدخل.
أما من ناحية الابتكار فمع كل فعالية غير تقليدية تقوم بها الدولة يقوم الشعب البحريني غاضباً ويلخصون امتعاضهم في كلمة «متفرغين» «و ما عندهم سالفة» أو «جان زادوا رواتبنا أحسن من الصرف على هالفعالية».
ولست هنا بصدد تبرئة «الدولة» من تدني مستوى بعض الخدمات، وأعتقد بأنه يجب على الدولة تكثيف الأبحاث للتعرف عن كثب عن «ماذا يريد الشعب البحريني» ويعمل على تحقيقه حسب أولويات الشعب، فإذا كان الإسكان هدفه الأول مثلاً فلنعمل على ضخ المزيد من الميزانيات لبناء وحدات سكنية والتقتير في عدد من الخدمات التي يراها المواطن ليست من ضمن أولوياته، مع ضرورة أن تقوم الدولة بتوعوية المواطن بأن ميزانية وجهود الدولة سوف تتجه نحو الإسكان كونه هو الأولوية القصوى عند شعب البحرين، لكي لا يقوم الشعب «الذي لا يعرف ماذا يريد» بالخروج في مسيرات ليعبر عن عدم رضاه عن فكرة «الأولية في الخدمات».
كما أنني آمل أن يكون لدينا مقياس السعادة للمواطن البحريني نحدد فيها عوامل السعادة أسوة بباقي الدول لكي نعرف نقاط ضعفنا ونقويها، ولا حرج في أن نعترف بأننا مرضى لنستعد لتلقي العلاج وننعم بالصحة.
كما يجب على شعبنا أن يكون أكثر واقعية وأكثر وعياً وأن يتصرف بحكمة، وأن يتعامل مع دولته كأنها «أمه»، فأمنا مهما كبرت وبدأت آثار الشيخوخة تبدو عليها تكون جميلة في عيوننا، كما يجب على المواطن أن يكون مواطناً بحق يتحدث في الحلول وليس في المشاكل لكي نشهد طفرة في التنمية البشرية.
يجب على المواطن ألا يكون عالة أو «علة» على الحكومة، ففي حياتي شاهدت الكثير من المواطنين الذين لا يؤمنون بثقافة التغيير، مواطنين «كسالى»، لا يريدون أن يتعلموا أو يطوروا مهاراتهم، وبالمقابل يريدون وظائف مرموقة، مواطنين يريدون من الدولة أن تتحمل كل «حماقاتهم» و»أخطائهم» و»همومهم»، مواطنين غير نظاميين فوضويين يريدون من الدولة أن تتبناهم وتوفر لهم كل وسائل الراحة، وهم بالمقابل لا يملكون إلا أن «يتحلطمون» وكأن علاقتهم بالدولة مثل الخادمة وصاحب العمل، فمهما قامت الخادمة من تأدية مهامها بتفانٍ إلا أن صاحب العمل يتذمر ويطلب المزيد، متناسين أن البيت هو بيتهم وهم الأولى بتنظيفه وترتيبه.
أتمنى أن نشهد في المستقبل القريب مواطنين فعليين همهم الأول رفعة البحرين، مواطنين يقومون بأبحاث وتوصيات تؤدي إلى تطور الخدمات المقدمة من قبل الدولة، مواطنين ليس هدفهم أن يبيعوا الناس أوهاماً لكي يكسبوا تأييداً وقتياً أو يقوموا بهذا الفعل من أجل أن «يترشحوا» بعد 4 سنوات، وفي هذا الصدد أود أن أطرح سؤالاً مفتوحاً؛ أين السادة المترشحون والذين كانوا يجوبون المجالس متوعدين المواطنين بغد أفضل؟ أين هي خططهم وأفكارهم؟ لماذا لا يتقاسمونها مع السادة النواب الذين حالفهم الحظ بالفوز لعلنا نجد من بين هذه الخطط ضالتنا؟ أذكر بأن معظم المترشحين قالوا بأنهم يملكون حلاً لأزمة الإسكان والصحة والتعليم؛ فأين هذه الحلول؟!
تبدأ الانطلاقة الحقيقة لأي دولة تريد أن ترتقي من رقي موطنيها، فلنحدد ماذا نريد وإلى أين نتجه؟