ترجل من سيارته التي أوقفها وسط أحد الدوارات ووضع مظلته وكرسيه على حافة الرصيف المقابل للدوار وأفرغ السيارة من بضاعته «سمكاً أو خضاراً أو أياً كان»، وبدأ بالبيع، وتبعه المشترون بالتخفيف من سيرهم أو بإيقاف سياراتهم في منتصف الدوار للشراء منه، ضارباً عرض الحائط بقانون المرور والصحة والبلدية والتجارة، وحين صوره أحدهم ونشر صورته في وسائل التواصل الاجتماعي متسائلاً عن دور البلدية والمرور والتجارة والصحة، ظهر له ألف مدافع في الصحف وفي وسائل التواصل الاجتماعي ومبرر ومتفهم ومتعاطف لمن يريد أن «يترزق الله»، وصبوا جام غضبهم على من دعا للالتزام بالقانون حتى شعر أنه هو من ارتكب المخالفة لا العكس!!
أن يخالف أحدهم القانون -أي قانون- أمر وارد فأنت تتعامل مع بشر منهم من يلتزم بالقانون إن كان في بلده أو خارجها، ومنهم من تعود ضرب القوانين عرض الحائط أينما حل وأينما سكن، منهم من يتقي الله حتى لو كان وحده لا يراه أحد، ومنهم لو وضعت له ألف كاميرا مراقبة لن يعبأ بها، مخالفو القوانين واللوائح موجودون في كل مكان وزمان، والقانون رادعهم والمجتمع حام لهيبة القانون قبل أن تحميه الدولة، لكن أن تجد جيشاً من المدافعين عن المخالفين تلك قصة تحتاج أن نقف عندها، ففي المجتمع البحريني أصبح عندنا جيش من المدافعين عن كسر القوانين ومخالفتها من المجتمع، من الأفراد، من المؤسسات، من الإعلام!!
دافع بعضنا وتفهم المخالفة والجنحة ووجد لها مخارج نفسية ومخارج اقتصادية ومخارج بيئية إلى أن وصلنا إلى مشروعية تبرير الجريمة، لا نستغرب حين تسخر صحف مرخصة صفحاتها لتحويل الإرهابيين إلى ضحايا سكلر ومرضى نفسيين وإعلاميين، لا تتعجب أن توظف صحف مرخصة وأحزاب سياسية مرخصة وفق القانون إعلامها لإظهار الإرهابيين على أنهم مجموعات وديعة «لا يكشون الذبان» عن وجوههم يغادرون البحرين وهم مكسورو الخاطر رقبتهم مائلة والبراءة «حتفط» من عيونهم! صحف مرخصة لا تظهر صورة حامل المولوتوف ولا تظهر صورة كساسبة البحرين الذين حرقوا أحياء لكنها تكبر صورة دخان مسيل الدموع الذي يعاني منه الإرهابيون.
أصبح للإرهاب «فانيش» يبيضه ويعيد تسويقه، أصبح للإرهاب مبرر ومتفهم ومتعاطف بعد أن أصبح لمخالف قانون البلدية والمرور والتجارة والصحة مدافعون، تدرجنا في إفساح المجال لكسر القانون ليتموضع بيننا وتنتشر ثقافة تبرير كسر القانون على أنه القاعدة حتى أصبح الالتزام بالقانون استثناء وشاذاً، أصبح تبرير الإرهاب والدفاع عن المخالفين ثقافة عامة تتبناها بيوت التنوير وقيادة الرأي العام.