في زحمة السياسة وهرج السياسيين وبصمته المعتاد؛ أقام الرجل الخلوق «أبو علاء»، السيد محمود النامليتي، وبعيداً عن الأضواء كذلك معرضاً للصور القديمة في سوق المنامة بالقرب من متجره المتواضع، كان يريد أن ينقل رسالة لكل البحرينيين مفادها «هذه هي البحرين» التي عرفناها وعشناها بكل تفاصيلها الجميلة والممتعة.
لم يكن «أبو علاء» ذلك الرجل المهتم بشؤون الثقافة أو الفن أو التصوير ليقيم معرضاً للصور التي تعني بكل ما هو بحريني أو تراثي، بل هو رجل بسيط لكنه شريف كأي بحريني، يمارس مهنة التجارة في متجره الصغير القابع بالقرب من «آلو بشير» بين تقاطع شارع الشيخ عبدالله وشارع باب البحرين، هذين الشارعين اللذين يختصرا تاريخ سوق المنامة بل تاريخ البحرين.
كل السنة والشيعة والبهرة والكراشية والبلوش والهولة والبونيان والبستكية من العرب والعجم والهنود، جاؤوا إلى معرضه المتواضع، ليعبروا بكل صدق عن ولائهم الصادق والعفوي لتاريخ أعرق أسواق الشرق الأوسط على الإطلاق، تلك السوق التي نشأ أجدادهم فيها وتعلموا منها روح المحبة والوفاء والخلق الذي امتزج بتاريخ الصناعات والحرف اليدوية تحت ظلال نخيل الوطن وأمواج البحر وسواحله، وبهذا استطاع ابن البحرين البار «أبو علاء» أن يحشد وفي أقل من أسبوع فقط نحو أكثر من ثلاثة آلاف زائر لمعرضه الجميل، فلم يستطع أي سائح أجنبي زار المعرض أن يحبس أنفاسه وهو يشاهد صور سوق المنامة التي تعتبر من أكبر منارات الوطن والوطنية في هذه الجزيرة الطيبة أهلها.
ليس هذا وحسب؛ بل استطاع معرض الصور أن يستقطب بعض طلاب المدارس ليتعلموا كيف كان البحرينيون منذ أيام «الأبيض والأسود» أن يعيشوا ملحمة وطنية بتكاتفهم وتعاضدهم وخوضهم معركة العيش المشترك بعيداً عن السياسة وتجارها، فتجار سوق المنامة هم أفضل من جسد معنى اللحمة الوطنية دون رتوش، ولهذا كان من المؤمل أن تقوم وزارة التربية والتعليم بدعم هذا المعرض وتشجيع كل المدارس لزيارته حتى يتعلموا حصصاً عن المواطنة والوطن.
يشمل المعرض، صوراً لسوق الخضرة القديمة وسوق الحدادة وسوق اللحم وسوق السمك وجبرات الجملة وسوق الصفافير والتناكة والصاغة وعمارات تجار البحرين، كعمارة كانو وغيرها، إضافة لدور السينما القديمة والمقاهي والفرشات واستيشن التكاسي والبلديات، وصور لإعلانات قديمة جداً، وكذلك المهن الحرفية كلها وباص سالم خطر.
نحن الذين تربينا في سوق المنامة العتيقة منذ مطلع السبعينات، نحن الذين كنا نطوف سعياً بين فريق الفاضل وسوق المنامة، وجدنا في الصور الممتعـة التـــي شاهدناهـــا في معرض السوق استنفاراً للذاكرة بأنينها وحنينها وروعتها، فتمنينا أن تعود تلك الأيام التي لو عادت لكانت البحرين اليوم بألف خير، ونحن نعتقد أن المعرض كان بمثابة مدرسة لتعليم قواعد المواطنة الصالحة، وهو خير من ألف كتاب وألف موعظة وألف سياسي وخطيب جمعة.
سلمت يداك وبارك الله جهودك الوطنية الناصعة يا أبا علاء، والشكر موصول للسادة العاملين باللجنة الأهلية لتطوير سوق المنامة وعلى رأسهم السيد رياض المحروس، وكل القائمين على إنجاح المعرض، خصوصاً منسق المعرض السيد حسن ملك، كما نشكر كل زائر أراد أن يكتشف تاريخ الوطن من خلال صورة تختصر الحب والوفاء للبحرين الحبيبة، وإلى معرض آخر يحكي بقية فصول الوطن، فنحن بالانتظار.