ما الذي ستبحث عنه لجنة التحقيق التي ينوي مجلس النواب تشكيلها في موضوع المواشي ولم تبحثه اللجان السابقة أو اللجان المنعقدة حالياً؟
لجنة التحقيق النيابية هذه ستكون اللجنة رقم سبعة بعد أن قدم ديوان الرقابة المالية تقريره قبل عدة سنوات عن هذا الموضوع، ثم شكلت الصحافة ممثلة بصحيفة «الوطن» لجنة تحقيق فيه، ثم لجنة تحقيق قام بها مركز التميز لصالح مجلس الوزراء، ثم شكلت لجنة تحقيق من مجلس النواب في الفصل التشريعي الأخير، ثم فتحت النيابة العامة تحقيقاً حول الموضوع قبل عدة أسابيع، ومن بعدها أحال سمو ولي العهد الموضوع من جديد لديوان الرقابة المالية ليشكل لجنة تحقيق، وها هو مجلس النواب يريد أن يشكل لجنة التحقيق السابعة له، نحن إذاً أمام معضلة حققت فيها جميع السلطات التنفيذية والتشريعية القضائية والسلطة الرابعة «الصحافة» ولم تحل.. إذاً لسنا بحاجة للجنة تحقيق لمعرفة المشكلة، نحن بحاجة للجنة تحقيق نيابية لمعرفة لماذا لم تحل المشكلة؟ لجنة تحقيق تضع لنا رؤيتها لعدم تنفيذ توصيات اللجان السابقة؟ ترى ما السبب؟ ترى من السبب؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!
سؤال أثرته في البرنامج التلفزيوني الأسبوع الماضي واخترت نموذج قصة المواشي، وبعد انتهاء الحلقة لم يبق قصاب أو صاحب حظيرة لم يتصل بي وجميعهم أشاروا إلى وجود تضارب في المصالح التجارية مع المسؤولية السياسية يقف حائلاً أمام حل المشكلة، وجميعهم تحفظوا على ذكر الأسماء لأنهم فقدوا الأمل في وجود سلطة تقوم باختصاصاتها التشريعية أو التنفيذية أو حتى القضائية، فكثرة اللجان ليست دليلاً على أن هناك نية في الحل بل قد يكون دليلاً على الرغبة في جعل اللجان تتضارب مع بعضها بعضاً حتى تضيع الحسبة.
نحن إذاً بحاجة إلى التوثق من تواتر الأقوال حول اختلاط الأمر بين التجارة والسياسة، بمعنى حقيقة وجود أصحاب مناصب حكومية لهم مصالح تجارية تتعلق بالمواشي، وأي لجنة تحقيق ستتجاوز وتقفز على هذه الأقوال دون أن تتضمنها إجراءات التحقيق فيها سواء من كان منها في النيابة أو في ديوان الرقابة أو مجلس النواب فإن ذلك يعني ضلوع من يحقق في ما يحقق فيه وتلك هي الطامة الكبرى، ولن ينقذ كل المحققين إلا الشفافية التامة في البحث في هذه النقطة!!
أما بالنسبة للمسؤولية الإدارية فإن تقرير مركز التميز بإمكانه تلخيص المشكلة الإدارية، فهو يختصر على من يريد أن يحدد مواقع الخلل ألا يخترع العجلة من جديد، هو تقرير غاية في المهنية والدقة وحدد أوجه القصور في البلدية والتجارة والصحة، وحددها بناء على معايير دولية في القياس لا يمكن لأي لجنة تحقيق جديدة أن تتجاوزه، لأنه يكشف أيضاً عن أوجه القصور في موقع التنسيق بين هذه الجهات، وعدم إنهاء وحل المشكلة حتى بعد أن انتهى المركز من هذا التقرير أي بعد مرور ثلاث سنوات من 2012، بحاجة إلى تحقيق بحد ذاته، يحتاج المجلس النيابي أن يحقق في أسباب عدم تنفيذ توصيات هذا التقرير، نحتاج أن نصل إلى معضلة المعضلات وهي البحث عن القرار، البحث عن الإرادة السياسية.
نحن إذاً أمام عائق حال دون حل مشكلة المواشي وهو عائق سيتكرر ظهوره أمام أي مشكلة سنواجهها وقد تكرر ظهوره أمام العديد من المشاكل المزمنة التي بقيت دون حل، نحن نحدد المشكلة، نعرفها، نضع لها مؤشرات قياس لحلها، نضع لها الحلول، ثم من بعد هذه النقطة نتوه، نضيع بين مصادر قرار وبين لا قرار.
نحن أمام عدم وجود إرادة سياسية عند السلطتين التشريعية والتنفيذية وقد يتجاوز هذا القصور السلطتين معاً، أو ربما كان تداخل السلطات هو السبب، المهم أن النتيجة في كل الأحوال هي ضعف الإرادة السياسية للتنفيذ.
نحن إذاً أمام معضلة تهون أمامها معضلة الشرق الأوسط وتعد نموذجاً مثالياً يشير إلى وجود مؤشرات قياس ممثلة في توصيات «الستعش ألف» لجنة تحقيق السابقة، لكنها ستبقى كغيرها معلقة لأننا لا نملك الإرادة السياسية التي تتخذ القرار فتنفذه سواء كان هذا القرار إنجازاً ما أو عقوبة ما.