قبل أيام جمعنا في إحدى مجالس البحرين العامرة لقاء مع الأستاذ أسامة العبسي، رئيس هيئة تنظيم سوق العمل، والتي أصبح يرمز لها اختصاراً بـ LMRA.
وقد تناول في حديثه المسهب جوانب مهمة من المهام التي تضطلع بها تلك الهيئة الفتية بولادتها الكبيرة بفعلها وأثرها، حيث لمس المواطن خلال أعوام قلائل منذ إشراقتها عام 2006 الانتقال النوعي في تطبيق منظومة حديثة تشرف على كل ما يتعلق بسوق العمل التي كانت إجراءاتها تستنزف الكثير من الجهد والوقت والكلف، حيث أصبح بإمكان صاحب السجل التجاري أن ينجز الكثير من الخطوات بضغطة زر وهو جالس في بيته أو مكتبه.
وما شدنا في تلك الجلسة الطيبة هو الكفاءة العالية لرئيس الهيئة والتمكن في طرح وتوضيح الكم الهائل من المعلومات والإحصائيات والفعاليات، والتي لم نكن يوماً لنطلع عليها لو لم يتكرم ويرفدنا بها.
ومن خلال حديثه تبين للحاضرين أن تلك الهيئة تساهم بشكل فاعل في التهيئة لتقديم كل الخدمات التي يتنعم بها المواطن والمقيم على أرض البحرين على حد سواء، بدءً برغيف الخبز ومذق اللبن وصولاً إلى مسكنه وملبسه ومركبه وما يتعلق حتى بصحته ورفاهيته من خلال السلسلة المبسطة لدى المواطن لكن المتشعبة لدى الهيئة، فكل ترخيص جديد يعني لها متابعة للمرخص له لدخوله البلاد، ثم وضعه القانوني والصحي والإنتاجي وما له وما عليه، فعليك أن تتصور المهام الجسام التي تقوم بها مشكورة تلك الهيئة وكادرها الوظيفي. حقيقة نحن فخورون أن مملكتنا العزيزة أصبحت متميزة بكثير من الجوانب التي تعتمد التطور التقني والتكنولوجي والأسلوب العلمي الحضاري، محاكية الكثير من الدول المتقدمة في تقديم خدماتها للمواطن، وهذا يسجل مفخرة لمملكتنا وقيادتها الحكيمة.
لكن ما يقلق تلك الهيئة ورئيسها، والذي يمثل التحدي الأكبر لعملها، هو العمالة السائبة غير القانونية، والتي أصبحت ظاهرة لا يمكن بأي حال من الأحوال السكوت عنها ومداراتها لما تفرزه من نتائج سلبية تؤثر في المجتمع، فالرقم التخميني أصاب السامعين بصدمة، فقد تجاوز حسب تصريحه خمسين ألفاً أو يزيد، والذي يمثل حوالي 10% من حجم العمالة الوافدة، وهذا يعتبر رقماً كبيراً ربما آخذ بالازدياد، وهو أشبه بالورم الخبيث الذي يحتاج إلى تجميده ثم استئصاله إن تطلب الأمر.
إن هذا التمترس غير النظامي والخارج عن سيطرة القانون والدولة أصبح ناقوس خطر يدق ليل نهار في جنبات الهيئة، وأراد رئيسها أن يسمعنا صوت ذلك الناقوس الذي بات يؤرقه ويؤرق العاملين معه، ولهم كل الحق في ذلك.
فخطرهم ربما لا يفقهه كثير من المواطنين؛ فلك أن تتصور هذا الكم من البشر يعيش معك في أرض واحدة ولا يخضع لأي متابعة صحية خوفاً من كشف أمره، فكم منهم مصاب بأمراض معدية أو مزمنة ويحمل موروثات وناقلات المرض؟ والكثير منهم يعد لك الطعام والشراب ويلامس حاجياتك اليومية في تنظيف وصيانة بيتك ومكتبك وسيارتك. وهناك الكثير منهم واقع تحت ضغوط نفسية هائلة بسبب غربته وعوزه وغرقه في الديون من مافيات في بلده تستنزفه وتكبله حتى وصوله إلى البلاد، فوضعه غير القانوني يدفعه ليعمل أي شيء ليحافظ على كيانه، وإن حوصر وأسقط في يده ربما أقدم في نهاية المطاف على الانتحار.
ولو تتبعنا المسبب الرئيسي في إيجاد هذه الطبقة وتضخمها لوجدنا للأسف الشديد بأنه المواطن، خاصة بعضاً من أصحاب السجلات من الشركات والمؤسسات الذي يستسهل التنازل عن سجله أو بيع بعض الرخص مقابل فائدة مؤقتة، لكنه في الحقيقة يجرم في حق بلده وأهله، وهذا بالضبط ما نطلق عليه الاتجار بالبشر الذي جرمه وحرمه القانون والشرع. من هنا بات حتماً على الجميع مد أواصر التعاون مع تلك الهيئة وعدم تركها لوحدها لتحل مشكلة غدت مستفحلة وعجزت بعض الدول بكل مؤسساتها عن حلها، وهذا لا يتأتى إلا بوعي المواطن أولاً ثم احترام التشريعات وتطبيق القانون على الجميع، وألا تأخذنا في المخالف لومة لائم.
وبعكس ذلك فإن تراخى الجميع وأوجدنا العذر لمن يخرق القانون فلا تأمن بعدها من انتشار الفوضى والجريمة والأوبئة والعادات والسلوكيات، ولا أبالغ إن ذهبت لأبعد من ذلك إن استفحلت هذه الظاهرة، فلا نأمن حتى على أطفالنا وأنفسنا