أواخر يناير الماضي قضيت بضعة أيام في سلطنة عمان، في أحدها اصطحبني صديق عماني في جولة إلى بعض المناطق في العاصمة مسقط. عندما ركبت سيارته وجدته رابطاً حزام السلامة، سألته إن كان ضرورياً أن أربط الحزام فأجاب على الفور نعم، وأضاف مبتسماً «لو سمحت». ربطته وسألته عما إذا كان وارداً أن يوقفه شرطي بسبب أنني لم أربط الحزام وأنا في سيارة فاخرة من نوع رولز رايس يقودها رجل معروف في المجتمع العماني وذو شأن، فقال غالباً نعم، وغالباً قد أحصل على مخالفة، قلت ما قيمتها بالنسبة لك؟ قال ليس مهماً قيمة المخالفة الأهم هو أنني بهذا أشعر أني أحترم القانون. وأضاف ينبغي أن أكون أنا المتعلم والمرفه قدوة للآخرين فألتزم بالقانون قبلهم.
مثل هذا النموذج متوفر في البحرين، فهنا يوجد الكثير من الذين أنعم الله عليهم بالخيرات وبالعلم والمعرفة لكنهم لا يسمحون لأنفسهم بتجاوز القانون ويضربون أروع الأمثلة في الالتزام به واحترامه. لا يفعلون ذلك خوفاً من عقوبة ولكن ليقدموا المثال الذي يمكن أن يحتذى.
نحن نتحدث إذاً عن سلوكيات إيجابية تعبر عن ثقافة يفترض أن تسود المجتمع البحريني الذي تمتد علاقته بالتعليم النظامي إلى أكثر من مائة سنة، لهذا فإن الكثير من الأسئلة تبرز عن أسباب التناقض بين هذه العلاقة القديمة بالعلم والمعرفة وبين السلوكيات السالبة التي اضطرت إدارة المرور إلى تغليظ العقوبة على مخالفي القوانين من مستخدمي الشوارع بغية ضبطها بعد أن لاحظت عدم الالتزام بها وما نتج عن ذلك من وفيات وإصابات.
لن نأخذ على اليومين الماضيين اللذين بدا فيهما قائدو المركبات وكأنهم رضعوا احترام قوانين وأنظمة المرور وبدت فيهما الشوارع هادئة وآمنة، ذلك أن من الطبيعي أن يتجاوب المواطنون والمقيمون مع مثل هذه الخطوة، ويأخذوا حذرهم كي لا يسجلوا في قائمة مرتكبي الأخطاء المرورية الأوائل. لذا ينبغي ألا تعتبر إدارة المرور حال الشوارع في اليومين الماضيين مؤشراً على نجاح المشروع، حيث النجاح يكون بإيجاد تحول في سلوك السائقين يؤدي من ثم إلى أن يصير جزءاً من ثقافة المجتمع وأفراده.
عدم التهاون مع المخالفين والابتعاد عن العواطف والخواطر في هذه الفترة بشكل خاص مسألة مهمة من شأنها أن تكون سبباً في نجاح هذا المشروع المهم والذي من شأنه أن يحمي المواطن البحريني الذي هو ثروة هذا الوطن.
عدم التهاون مع المخالفين والتمرد على مجتمع الخواطر من شأنه أن يكسب المواطن والمقيم، خصوصاً الشباب منهم، سلوكيات إيجابية تعين على تحقيق الهدف من قانون المرور الجديد وتؤدي بشكل تلقائي إلى إيجاد ثقافة تعين على التفرغ لأمور أهم من ربط الحزام وعدم التحدث في المحمول أثناء قيادة السيارات والالتزام بقوانين المرور التي هي في كل الأحوال في صالح المجتمع.
استمرار البعض في عدم ربط حزام السلامة فيه إساءة للوطن لأنه يقدم نموذجاً سالباً يتمثل في عدم احترام القانون، واستمرار البعض في ارتكاب المخالفات المرورية يؤدي إلى تأخير نعت مجتمعنا بأنه متعلم ومتقدم.
بين الفئة التي لا تؤثر فيها قيمة المخالفات المرورية لكنها تلتزم بالقانون وتقدم نفسها كنموذج يعبر عن مستواها الثقافي وحبها للوطن، والفئة التي تلتزم بقوانين المرور خشية أن ترهق بقيمة المخالفات التي تؤثر على معيشتها، بين هاتين الفئتين تقع فئة الشباب الذي هو أساس المشكلة والمتهم بأنه السبب الأكبر وراء الإصابات والوفيات والتلفيات الناجمة عن استخدامه السيئ للشوارع. هذه الفئة هي محور الحديث وهي الهدف الذي ينبغي أن نتعاون جميعاً لتحويل سلوكه من سلبي إلى إيجابي، وهنا التحدي