كنا نطالب وحتى قبل تدشين رؤية البحرين الاقتصادية بضرورة تطبيق معادلة «وضع الشخص المناسب في المكان المناسب»، وذلك إيماناً بأن تطور أي مجتمع لا يكون إلا عبر وضع أصحاب المؤهلات والكفاءات والقدرات في المواقع المناسبة.هذه المعادلة طبقها الغرب منذ حقب طويلة، ونتائجها واضحة تماماً بشأن التطوير والتقدم، وحتى وقت قريب -ولعل بعض الشواهد مازالت قائمة- كانت تولية الأشخاص في بعض المناصب المهمة في الدولة لا تقوم على معايير المؤهلات والتفوق والكفاءة، كنا نقول في أوساطنا كمجتمع بأن ما يقتل الطموح لدى كثيرين وما يجعل الدولة تعاني من مسألة تباطؤ التطوير هو تفشي داء «الواسطة» بما يحرم أصحاب الحق ممن أكملوا تعليمهم وتفوقوا فيه بأن يأخذوا موقعهم الطبيعي في السلك الوظيفي.هذه المعادلة انتبهت لها الدولة ووضعتها في رؤيتها الاقتصادية، واستبشرنا خيراً بأن ستفعل وتكون هي المنهج الذي تسير عليه كافة الممارسات في عمليات التعيين والاهتمام بالكفاءات.رغم ذلك مازلنا في حاجة لتعزيز هذه المعادلة، والأهم «الثبات» عليها دون القبول بأن يتم القفز عليها أو تجاهلها بما يؤدي لإغفال كثير من الطاقات والكفاءات، وبما يؤثر في جانب أهم على التطوير والبناء والنهوض في الدولة.لكن كما يقال «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»، وعليه فإن إنشاء اللجنة الوزارية للتعيينات في المناصب القيادية في الدولة يعتبر مسألة إيجابية وتشكر عليها الدولة، بحيث لا يتم تعيين إلا من تتوافر فيه عناصر الكفاءة والمؤهلات والخبرات ومن يمتلك قصص نجاح وتطور، وهؤلاء ما كنا نعني بهم حينما كتبنا مطالبين الأسبوع الماضي بـ»النجوم» التي على الدولة البحث عنهم وصناعتهم.من المبشرات الطيبة أيضاً وهي مسألة كشفت عنها الدولة مؤخراً، ربط التأهيل والتدريب والتطوير في الطاقات البشرية بتأهيل الكفاءات للمناصب القيادية في الدولة، وذلك من مرتبة الوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء نزولاً للمناصب الإشرافية.الآن يتوجب على كل من يراد له تولي منصب وكيل مساعد أن يكون مؤهلاً دراسياً وذا مسيرة عملية مشرفة، إضافة إلى ذلك عليه تجاوز محطات للتدريب والتأهيل والتطوير ممثلة ببرامج تدريبية فصلتها الدولة وخصصتها لفئات من موظفيها، وهنا نتحدث عن حزمة البرامج التي يقدمها معهد الإدارة العامة، بالأخص البرامج القيادية، وفي حالة التأهل للترشح لمنصب مثل الوكيل المساعد في أي قطاع على الشخص أن يكون قد تجاوز برنامج «القيادات» الذي يمتد منهجه التدريبي لقرابة خمسة أشهر ويتنوع بين التدريب على القيادة الاستراتيجية وعملية صناعة واتخاذ القرار والتصرف وقت الأزمات وغيرها من المهارات التي لابد توافرها في كل من يتعين في منصب «مدير».وبنفس النمط يتعين على رؤساء الأقسام أن يخضعوا لتدريب متقدم في برنامج «كوادر» حيث يلمون فيه بكثير من المهارات الاستراتيجية والإدارية، وتمتد هذه البرامج المتخصصة لتشمل فئة المشرفين الذين فتح لهم هذا العام برنامج جديد تحت اسم «تكوين»، وهم من يفترض أن يكون أغلبهم قد تجاوز برنامج «التهيئة» الذي يخضع له الموظفون الجدد في القطاع الحكومي.ولا تنتهي عملية التعليم والتطوير هنا، بل حتى إن الوكلاء المساعدين فصل لهم برنامج تحت اسم «النخبة» يمنحهم مهارات عديدة تجعلهم بمثابة شريحة مؤهلة لتولي مناصب الوكلاء في القطاعات المختلفة.معهد الإدارة العامة في البحرين والذي أنشئ بموجب مرسوم من جلالة الملك حفظه الله في عام 2006، هو على غرار كثير من المعاهد الإدارية المتخصصة التي تقدم برامج تدريبية عالية الجودة وخدمات استشارات وبحوث وتقييم مربوطة بشهادات عالمية معتمدة من أعرق الجامعات والمعاهد، فكرته في أساسها تقديم خدمة للوطن والمواطن، عبر التأهيل والتدريب والتطوير، فالعلم هو أساس كل تطور، واكتساب المهارات بصورة تراكمية هي مفاتيح البناء والتطوير والتعمير.هذه نقطة إيجابية ركزت عليها الدولة، وهي تحظى اليوم باهتمام شديد من قيادتها، وإدراكاً لهذه الأهمية فقد ربطت عمليات الترقي للمناصب الإدارية كالوكلاء المساعدين والمدراء باجتياز برامج مثل «قيادات» و»كوادر».حينما تتجه دولة للاستثمار في التدريب والتأهيل وتعزيز التعليم، فهي تمضي على خط صحيح في اتجاه بناء المجتمع عبر بناء كوادره وتفجير طاقاته ودفعها للإبداع، إذ المحصلة النهائية ستصب بالضرورة لصالح الوطن.لم تقل الجملة عبثاً، أعطني شعباً متعلماً مؤهلاً أصنع لك دولة قوية ناهضة.