ما حدث في الأيام الثلاثة الأخيرة تجاوز كل الحدود وكل اللياقة، وليس لعاقل أن يقول إنه يدخل ضمن طرق التعبير عن موقف، لأنه ببساطة إرهاب واضح جلي؛ فعندما تقطع الطرقات في الصباح الباكر بوضع الخرسانات الإسمنتية فيها كي تمنع المواطنين من الذهاب إلى أعمالهم وتمنع الطلبة من التوجه إلى مدارسهم لتقول إن الدعوة إلى الإضراب قد نجحت، فلا صفة تنطبق على هذا الفعل المتخلف سوى الإرهاب، ولا صفة تنطبق على فاعليه سوى أنهم إرهابيون.
وعندما تعطل الطرقات بربطها بالسلاسل و»ترزيز» الأسياخ الحديدية في الأرض ووضع كل ما يعين على عدم تمكين المواطنين والمقيمين من استخدامها كبراميل القمامة وجذوع النخيل والأشجار والطابوق، فلا يمكن أن يقال عن كل هذا سوى إنه إرهاب وعن فاعليه إنهم إرهابيون. وعندما تهدد من يحاول أن يفتح محله كي يكسب رزقه بالويل والثبور إن هو فعل؛ فلا يقال عن هذا إلا إنه إرهاب من فعل إرهابيين. وعندما تشعل النار في سيارة وسط شارع يؤدي إلى حي تجاري فلا يمكن لعاقل ولا لمجنون أن يقول عن هذا الفعل إن له علاقة بالسلمية، فكل هذا وغيره من ممارسات تم تنفيذها في بعض الشوارع في تلك الأيام يندرج في باب العنف والإرهاب الصريح الذي يجرح «المعارضة» ويؤذيها ويقلل من شأنها حتى لدى المنظمات المتعاطفة معها والداعمة لها.
كل الممارسات التي قام بها أولئك الذين من الواضح أن الضربات المتتالية على رؤوسهم قد أثرت عليهم لا علاقة لها بالشعارات التي يرفعونها، فلا يمكن مثلاً أن يقولوا إنهم يدافعون عن حقوق الإنسان وهم يمنعون هذا الإنسان البسيط من التوجه إلى عمله وكسب رزقه ويمنعون عياله من الذهاب إلى مدارسهم لا لشيء إلا ليقال إن «شبابنا الأبطال يسيطر على الطرقات» وإن ما دعوا إليه قد نجح، ولا يمكن مثلاً أن يقولوا إنهم يدافعون عن كرامة المواطن لأنهم بفعلهم القميء هذا يدوسون على كرامته.
الشطارة ليست في إرغام الناس على المشاركة في ممارسة معينة، الشطارة في جعلهم يختارون المشاركة بأنفسهم. لو أن هؤلاء لم يعمدوا إلى إغلاق الشوارع والتهديد وقالوا للناس بأن قرار المشاركة وعدم المشاركة بيدهم ثم تبين أن أغلبهم لم يتوجه إلى العمل لأمكن القول إنهم نجحوا في مسعاهم، لكن أن يجبروا الناس على عدم ممارسة حياتهم الطبيعية والتنقل في الطرقات بإغلاقها بكل ما يمكن أن يتسسبب لهم بالأذي فلا يمكن أن يكسبوا منه سوى الخسران.
ما فعلوه ليس فيه شطارة وليس فيه ما يمكن أن يصنف في باب الرجولة، وهو ليس من عمل من يعتبر نفسه في ثورة، فليس هذا سلوك وأخلاق الثائرين في أي مكان في العالم. كل ما قام به أولئك في تلك الأيام لا يعدو محاولة تطمين أنفسهم بأنهم لايزالون قادرين على التخريب وإشاعة الفوضى والقول إنهم لايزالون على صمود.
المؤلم في كل هذا الذي جرى هو أن الجمعيات السياسية التي تعتبر نفسها معارضة لم تنبس ببنت شفة واكتفت بالفرجة، وهذا يعني أحد أمرين؛ إما أنها مع أولئك المخربين ومؤيدة لممارساتهم الإرهابية أو أنها لاتزال دون القدرة على فهم دور المعارضة في العمل السياسي.
لست مع الذين يقولون إن هؤلاء المخربين استندوا في فعلهم هذا على فتوى من رجل دين وسياسة هو الشيخ عيسى قاسم، ولكني مع المطالبين بأن يقول إن ما قام به أولئك من أفعال في الأيام الثلاثة الأخيرة مخالف للشرع ولا يعبر عن «المعارضة» التي «في طابعها وخطها العريض قد التزمت بالسلمية»، كما جاء في بيانه الأخير.