تتذكر الشعوب قديماً وحديثاً محطات مهمة في تاريخها، سواءً تلك الأحداث المؤثرة إيجاباً في مسيرتها أو سلباً طعنت في خاصرتها.
وتختلف طريقة التعبير في إحياء تلك الأحداث من شعب لآخر حسب موروث وثقافة تلك الشعوب، وغالباً ما تحاول إحياء الذكريات التي تجلب الفرح والراحة والشعور بالفخر، فتنصب السرادق وتجمع الأشتات بهجة تحت خيمة الوطن الواحد.
أما الذكريات والأحداث المؤلمة فتسعى للتقليص من أثارها ولا تتوقف عندها كثيراً بقدر تذكير الأجيال بجرم مرتكبها وبشاعة وقعها، كأفعال النازية وإجرام أمريكا في هروشيما والصهيونية العالمية في فلسطين.
ما لفت انتباهنا وعكر علينا صفو حياتنا هذه الأيام في مملكتنا الغالية قيام شرذمة ضالة خارجة عن القانون عمدت للعبث في مصالح الناس بقطع الطرقات وخرابها وإجبار بعض أصحاب المحال التجارية على إغلاق أبوابها والاعتداء على بعضها وتلويث البيئة بحرق الإطارات والمخلفات، تحت مسمى إحياء ذكرى مشؤومة، وكان الأجدر بمن يدفع بالجهلاء والسفهاء أن يربأ بنفسه ويتوارى عن الأنظار ويستغفر ربه على شنيع فعله ليل نهار.
لم أجد في أبجديات أي حزب أو تجمع أو حركة إصلاح أو معارضة تعمد جلب الويلات والأذى والخراب لعقر دارها، إلا ما فعله المغول والتتار عند دخولهم بغداد، وما اقترفته أمريكا والصفويون باحتلالهم للعراق، وحتى وإن أتوا بشنيع الأفعال؛ فهم غزاة وأعداء ومن المتوقع أن يعيثوا في الأرض فساداً ويهلكوا الحرث والنسل.
أما أن يتعمد من يدعي انتماءه للوطن إحراق جنبات بيته وبث الفوضى والرعب في أهله، فبئس الفكر الضال الذي يحمله وبئس العشير، فإن كان ذلك هو مستوى تفكيرهم وغاية طموحهم، زعزعة الأمن وإرهاب الناس، وهم يحملون زوراً دعوات الإصلاح وتقويم المجتمع، فماذا أبقوا للأعداء والمتربصين.
فإن أردت أن تقنعني يا من تقبع وراء الكواليس بأنك الأصلح؛ فأرني أصلحك الله من قولك وفعلك الأفضل، فإذا كان هذا في بادئ الأمر نهجك وخلاصة فكرك وارتكاز قاعدتك المؤسسة على جرف هار ولم تتمكن بعد مني لا قدر الله، فكيف تريد مني أن أئتمنك على وطني ونفسي وأفوضك مقاليد أمري؟
وإن كان مبتغاك أن تلفت أنظار العالم لتوهمهم بأنك ومن تنطق باسمهم زوراً مهضوم الحقوق والمواطنة؛ فإنك مخطئ أيضاً، فما هكذا تورد الإبل. وإن كنت تريد الإصلاح والذي نفسره من وجهة نظرنا إفساداً، فهلم إلى إصلاح سريرتكم أولاً، ثم بادر إلى تثقيف أتباعك بأن مصالح الناس وأمنهم أمور مقدسة والتجاوز عليهما خط أحمر لا يقره شرع ولا عرف ولا قانون.
ثقفهم أن ينثروا في الطرقات غصن الزيتون والأزهار عوضاً عن المخلفات والأحجار، ثقفهم أن الدين هو النصيحة وليس القذف والشتيمة والثأر الباطل والكلمة القبيحة، ثقفهم أننا في مركب واحد، ومن يصحبنا في مركبنا لن يرقى أبداً لفتى موسى ولا لنبوة العبد الصالح، حتى يحدث لنا خرقاً ليغرق أهلها، فلا يتوهم أحدهم، فمركبنا وطن كبير وليست لأيتام يعملون في البحر، ولا يوجد بين ظهرانينا ملك يأخذ كل سفينة غصباً، ثقفهم يا من تتحمل وزرهم بشحنهم أن للوطن باباً كبيراً مفتوحاً على مصراعيه يحتوي الجميع وليس حكراً على أحد، لكنه يضيق ويوصد بوجه العملاء والخونة ومن يتأبط به شراً، وأبلغهم أنه من أصر على عمالته وركب الشر من رأسه إلى أخمص قدمه ولا يستطيع الانفكاك منهما؛ فلا أرض سوف تقله يوماً ولا سماء، فاستتبه فإن أبى وأصر فاكشف للعدل أمره ليقذف به من المركب قبل أن يغرقك معه.