أي تيار أو مجموعات أو جماعات أو شرائح يجمعها انتماء ما تضعف أو تقوى بقدر قدرتها على النقد والتقويم الذاتي والتصدي لاعوجاجها ذاتياً، دون أن تتذرع أو تتعذر أو تتدثر تحت غطاء الخوف من العزلة أو الخوف من تفتيت الصف أو بحجة رفض جلد الذات، بل تتجلى قوة هذه الجماعات حين لا تخشى لومة لائم أو تخشى إرهاباً يخيفها ويحاول منعها من التصدي له.
على المستوى الدولي انضمت مملكة البحرين إلى التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب بكل ما تملك من قوة وشاركت بطائرات من سلاح الجو الملكي لضرب أهداف ضد الجماعات الدينية المتطرفة رغم أن تلك الجماعات «سنية»، وبغض النظر عن رأينا في تقييم طبيعة الحرب على الإرهاب بشكل عام، إلا أننا نتحدث من زاوية معينة وهي أنه لا يقف أو يحول دون من يحمل مبادئ ثابتة أن يأخذ على يد المخطئ وإن كانوا من ذات المذهب أو الجماعة التي تنتمي لها قيادة أو حتى طيارو سلاح الجو البحريني.
كذلك كان موقف سمو ولي العهد في مقاله للديلي تلغراف ثابتاً تجاه الأشخاص أو الجماعات الثيوقراطية كمخزن ومنبع ومصدر للإرهاب ولم يمنعه انتماؤه للجماعة السنية أن يقف وبقوة مع المجتمع الدولي في مواجهة هذا الفكر المتطرف وإن كان سنياً «رغم أننا كنا نود أن يضيف إلى قائمة فكر الجماعات السنية الثيوقراطية التي أوردها في المقال الجماعات الشيعية الأكثر ثيوقراطية منها والتي تمارس الإرهاب هي الأخرى في البحرين أولاً وإيران وسوريا والعراق ولبنان واليمن» فالفكر الثيوقراطي المتشدد موجود عند كل ملة ودين ومذهب.
كما أنه على الصعيد المحلي وحين تصدرت قضية الأمانة العامة لمجلس النواب، لم تمتنع صحافة وقادة للرأي أو يمتنع معنيون بالأمر من نواب ومن قوى سياسية ينتمون للمذهب السني من إبداء رأيهم المؤيد للإجراءات لمجرد أن من ستتخذ ضدهم الإجراءات من ذات المذهب أو من ذات الجماعة، فإن لم يبدأ النقد من ذات البيت فأين يبدأ إذاً؟
قائد دولة أو عسكري أو سياسي أو مثقف أو صاحب رأي تعاطوا بأريحية خالية من التعصب الأعمى مع أي خطأ وأفردوا له المساحة لتقييمه العلني وتصدوا له بأنفسهم دون انتظار من دولة أخرى أو انتظار من أحد خارج المنظومة المذهبية كي يقولوا للخطأ خطأ وللجريمة جريمة، لا تعصب ولا فزعة جاهلية ولا جبن وخوف وتردد، تلك هي علامات القوة ومؤشرات الانفتاح والتطور.
لا أحد يرفع شعار كلنا على قلب واحد من باب التعتيم على الخطأ والمحاباة، لا أحد يجرؤ أن يتكلم عن «الدفدفة» على بعضنا بعضاً من باب وحدة الصف واختيار التوقيت، مثقفون وكتاب لا يعيشون أزمة، وتمزقاً وصراعاً داخلياً بين ما ينادون به وبين ما يتسترون عليه، لا يضعون طوقاً على رقابهم بأنفسهم متعذرين بالخوف من العزلة والخوف من الإرهاب.
أيظن أحدكم بأن تلك المواقف تمر مرور الكرام على من يتخذها بدون تصدٍّ أو بدون هجوم مضاد ممن يخطئون أو يجرمون؟ بالعكس يتعرضون لكل أنواع الهجوم، إنما لأن القاعدة السائدة تقف مع من يجهر بالحق فلا تجد للتعصب مكاناً بينها.
لا نحمي ولا نضلل ولا نخفي الخطأ ولا نحابي أو نجامل خوفاً من تهمة الاصطفاف مع خصومنا، إن أكبر خصم لنا هو ذاتنا إن أخضعناها لمسطرة المظلومية وبكائيات تجيز لنا ارتكاب الأخطاء وتمريرها تحت ذرائع الانتقام وذرائع التبريرات اللامتناهية، تلك معاول هدم لأي تجمع كان تياراً أو جماعات أو مجموعات أو حتى من الدول.
إن أكثر عوامل الضعف تتبدى حين يمأسس «التذرع» فترى صحفاً وجمعيات سياسية وبيوتاً استشارية وأكاديمية بحثية كلها تبحث عن الذرائع للخطأ وتدثره بأدواتها، تبحث عن التبرير وتبحث عن بدائل التسميات، وتبحث كفوفها عن دموع المظلومية لتمسحها بدلاً من أن تبحث عن مسبار يغوص في أعماق الأسباب وجذورها.
تلك هي معاول الهدم الذاتي تتم بشكل مؤسسي لا فردي، حينها ينخر سوس التخلف والظلام داخلياً ويمر الزمن على تلك الجماعات فلا تجد لها موقعاً في عجلة المستقبل التي لا تتوقف ولا تتنظر.