الجهود القائمة لتطوير البنية التحتية السياحية لن تكون ذات عائد مجزٍ مادامت الدولة تنفق على السياح القادمين إليها كل أسبوع
يوم الأحد الماضي في لقاء جمعنا مع وزيري الإعلام والصحة، قال الأخير إن الأجنبي يكلف الدولة نحو 106 دينار لتقديم الخدمات الصحية، وأكد أن النظام الصحي البحريني القائم منذ عقود طويلة يتميز بـ «السخاء».
نقدر طرح الوزير وحرصه على شرح مبرراته لتقديم أفضل الخدمات الصحية للجميع، ولكن السؤال هنا جاء في سياق الاستفسار عن جدوى الاستمرار في النظام الصحي القائم الذي يقدم الخدمات الصحية مجاناً للمواطنين، ويقدمها بشكل رمزي للمقيمين من الأجانب، وهو النظام الذي يصرف ملايين الدنانير سنوياً من الميزانية العامة للدولة!
يعود بنا السؤال مرة أخرى إلى السؤال الأهم؛ هل من المجدي أن تستمر البحرين وغيرها من دول الخليج في نموذج الدولة الريعية التي تقدم الكثير من خدماتها مجاناً، وتقدم الدعم الحكومي للكثير من السلع والخدمات التي يتمتع بها المواطنون والمقيمون؟
عدد من دول الخليج اتخذت قرارات سابقة، وبعضها اتخذ قرارات مؤخراً تتعلق برفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات مقابل زيادة الرواتب وتقديم دعم في رواتب المواطنين من القطاع الخاص. والبعض الآخر اتخذ موقفاً حاسماً بشأن ضرورة أن يستفيد المواطن فقط من الدعم الحكومي وليس غيره من المقيمين أو شركات ومؤسسات القطاع الخاص.
وإذا كان الحديث هنا عن البحرين وجدوى استمرار نموذج الدولة الريعية، فإن الحديث سيكون ذو بعدين؛ الأول يتعلق بجدوى استمرار مظلة الدعم الحكومي لتشمل المقيمين والذي يفوق عددهم أعداد المواطنين البحرينيين، والبعد الآخر يتعلق بإعادة توجيه الدعم لمستحقيه بحيث يشمل الدعم الأفراد فقط وليس مؤسسات القطاع الخاص.
الدولة أهدرت مليارات الدولارات خلال أربعة عقود من أجل دعم الكثير من المؤسسات والمقيمين، في الوقت الذي كانت فيه أحوج ما تكون لهذه المليارات لتصرف على المشاريع الرئيسة، وخاصة مشاريع البنية التحتية والإسكان، ومشاريع تحسين مستوى معيشة المواطنين.
بالنموذج الحالي لا يمكن للدولة أن تسدد التزاماتها أو تحد من الدين العام المتنامي، ولا يمكنها استيفاء متطلبات التنمية والتوسع في مشاريع البنية التحتية أو حتى العمل على تحسين مستوى معيشة المواطن، مادامت تنفق بسخاء على الجميع من مواطنين ومقيمين وشركات القطاع الخاص. وحتى الجهود القائمة لتطوير البنية التحتية السياحية لن تكون ذات عائد مجزٍ مادامت الدولة تنفق على السياح القادمين إليها كل أسبوع ملايين الدنانير، فالمعادلة القائمة تقوم على إنفاق الدولة على السائح بدلاً من إنفاق السائح على الدولة في اقتصادها الوطني خلال زيارته!
نموذج الدولة الريعية المشوّه قادنا إلى هذا الوضع، ولا يمكن الاستمرار في هذا النموذج أبداً، فملايين الدنانير يمكن توفيرها إذا كان الدعم الحكومي يستهدف المواطنين الأفراد فقط، مع استحداث الأنظمة الخاصة بالأجانب ومؤسسات القطاع الخاص.
ولسنا بحاجة لمن يتحدث عن التزامات البحرين الحقوقية حتى تقوم الدولة بالإنفاق بسخاء على فئات عديدة في وقت نحن أحوج فيه لملايين الدنانير لأولويات أهم.