إن كنت أبحث وسط زحمة النتاج الفكري بما يعبر عن الفكر المستنير اليوم بشأن ما يحصل من تداعيات في العالم بسبب نزعة الإرهاب ونشوء التنظيمات الخطيرة، فإنني أقول هنا بأن مقال سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد في «الديلي تليغراف» يمثلني تماماً ويعبر عما أريد قوله.
بالفعل، الحرب على الإرهاب بدأت منذ 15 عاماً، ومازلنا نراوح أماكننا في معالجة ظاهرة الإرهاب ونشوء التنظيمات الإرهابية، كل الحراك الذي حصل أثر في استقرار دول وأنهك كيانات وفككها، بينما الفكر الذي يغذي كل نهج إرهابي مازال قائماً، والكارثة أنه يتفاقم ويتعاظم في تهديده ومخاطره.
نحتاج -كما قال الأمير سلمان- أن نصل إلى تعريف يتفق عليه الجميع بشأن «الخصم». من هو العدو؟! ومن هو الذي يهدد استقرار العالم اليوم؟! إذ الإجابات المتشعبة، وتبادل إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذلك، هو ما يؤصل لوجود هذه المشكلة، فالإسلام كدين بات مستهدفاً بالدرجة الأولى، باتت تلصق فيه تهم الإرهاب بطريقة لا يمكن نزعها، وللأسف لهذه المسألة تداعيات مخيفة، إذ عدد الاعتداءات على المسلمين تزايد في العالم الغربي، وأغلبية من يتعرضون لذلك هم أناس عاديون أبرياء ذنبهم الدين لا شيء آخر.
هناك سياسات صنعت مثل هذه الكيانات الخطيرة، ولا تنسوا هنا بأن البداية الفعلية كانت في حرب الاتحاد السوفييتي مع أفغانستان، هذه الحرب التي كانت سبباً رئيساً في انهيار الكيان العسكري الأقوى عالمياً آنذاك، وتسببت في نشوء أنوية صغيرة لكيانات تضخمت وكبرت واستفادت من الرعاية والدعم والإمدادات لتوجه في النهاية مدافعها وأسلحتها إلى صدر الولايات المتحدة الأمريكية نفسها (الداعم الأكبر لها حينذاك) لتبدأ فصول ما نعيشه اليوم منذ استهداف مبنى التجارة العالمية والبنتاجون على الأراضي الأمريكية.
التعريف الصحيح هو الذي يحدد جوهر المشكلة، ومثلما قال الأمير سلمان بأن المشكلة تكمن في لصق كل ذلك بالإسلام، وهنا تكمن المعضلة، فهذه الجماعات الإرهابية تستغل الدين وليست ممثلة للدين، هم «ثيوقراطيون» لا دينيون، وعليه فإن فصلهم عن أي مذهب أو ديانة أمر أساسي في تعريف الخصم في إطار مفهوم الإرهاب والوحشية السادية تجاه البشر.
جماعات مثل «القاعدة» و«داعش» ومن على شاكلتهم، شوكتهم أصبحت قوية لاستغلالهم الدين للسيطرة على العقول، استخدموا مفاهيم خطيرة بإمكانها شل أدمغة البشر بكل سهولة، تلاعبوا في مفهوم الجنة والنار ليتحكموا بمصائر الناس في الدنيا وحتى الآخرة. النفس البشرية لها نزعات عدة من ضمنها نزعة التدين، أو أقلها الانتماء لاعتقاد روحاني، وهنا كان المدخل، خاصة مع الذين يسلمون بأن ما يقوله رجل الدين هو كلام الله الذي لا يجب أن يخالف، وهو ما أسبغوه على أفعالهم الإجرامية من قتل ونحر وتنكيل، بأن كل هذا حراك من أجل القضية العادلة على الأرض، من أجل الدين، ومن أجل محاربة الكفار.
أمر يثير الغرابة حينما يتبع الناس مثل هؤلاء، أمر يثير الاشمئزاز إن جئت تقارن الأفعال والأقوال، إذ ما نسمعه يفترض به أن يرينا هذه القوة المزعومة، وهذه الفيديوات الدموية تحصل في عدو من يرفع الإسلام كراية، ومن يؤمن بعلامات الساعة التي تقول بأن الإسلام يحارب فيها اليهود، وعليه لم لا نرى داعش تقوم توجه أسلحتها وعنفها تجاه إسرائيل على سبيل المثال؟!
لا يحصل هذا، في وقت إسرائيل تصرح بكل أريحية وعلى لسان مسؤوليها بأنهم في مأمن من شرور داعش، وأنهم حتى بمأمن من أن يطبق الفلسطينيون نفس الاستراتيجية التي يطبقها هؤلاء في العراق وسوريا والآن امتدت لسوريا.
نلوم من هنا؟! هل نلوم القوى الغربية كعادتنا، ونقول بأنها من زرعت الفتنة بين العرب، وأن ما يحصل نتيجة تداعيات لمشاريع بدأت صغيرة في تأسيس تحزبات وكيانات تضخمت وأصبحت كما البعبع يبتلع ما يواجهه في طريقه على أي أرض ضعيفة خالية من القانون والنظام؟! أم نلوم أنفسنا ككيانات عربية لم نعر يوماً اهتماماً لممارسات خاطئة استغلت الدين وجيشت الناس من خلال هذا الاستغلال؟!
الإرهاب لا دين له، وإن كانت من حرب عالمية ضده، فعليها تصحيح المفاهيم أولاً حتى لا توقع مزيداً من الضرر على الناس، لابد من تبرئة الدين من هكذا أفعال، فلا ديانة سماوية، ولا مذاهب تبيح هذه السلوكيات وتقر بهذا الإجرام.
الهدف اليوم هو هزيمة هذه الأيديولوجيا، وقد نقولها بكل سهولة هنا بأن مفتاح ذلك هو توعية الناس وتبصيرهم، وهو قول سهل كجملة تصاغ بحرفنة وذكاء، لكن تطبيقها أصعب من الصعوبة.
ما يعانيه العالم اليوم، ويتخذ من العالم العربي مكاناً له هو سرطان خبيث يستغل أصحابه الدين، ولأجل علاج السرطانات لابد من اجتثاثها بشكل كامل، ولأجل ذلك لابد من توحد الجميع ضد هذا الخصم الذي يجب تعريفه بدقة، وكل هذا يجب أن يحصل بسرعة، فبالأمس سوريا والعراق واليوم ليبيا، وغدا من يدري أين؟!