كنا نتمنى أن يبدأ مجلس النواب بداية موفقة، خاصة في هذه الظرف حيث تمر الأمة بويلات ونكبات، كنا نتمنى أن تفتح الملفات الشائكة ملفات؛ الشركات الخاسرة والشركات الحيوية غير الحيوية، وأن ينكب النواب على دراسة تقرير الرقابة المالية ويبحثوا عن المخفيات، لكن مع الأسف فبعد سجود الشكر وإقامة الولائم وتوزيع الحلويات، انشغلوا بالأمور الإدارية، وهي ليست بأهمية مصالح الشعب الذي يبحث عن ضالته المفقودة، حيث وعده النواب أيام الحملات الانتخابية بإيجاد حل لمشاكله الصحية والبيئية والمعيشية، وإعادة النظر في مشروع التوظيف، والبحث عن حلول لمواقف السيارات في الأحياء، وهموم كثيرة يعاني منها المواطن.
لكن أصبح الموضوع بالنسبة للنواب أشبه بصولات وجولات، دون أن يكون هناك صوت قوي يحسم الموضوع ويحل الإشكالية التي بدأت بعزل أحد موظفي الأمانة، حيث كان على الجميع أن يتعامل مع هذا الأمر بعقلانية وترو مغلباً مصلحة الوطن على الآراء والأهواء، فهناك قوانين الخدمة المدنية التي تحسم هكذا موضوع، كما أن للموظف الحق في التظلم لدى أي جهة عليا مسؤولة فالأبواب مفتوحة، وقد دعاكم سمو رئيس الوزراء إلى مكتبه دون طرق باب واستئذان، فكيف تحصل هذه المناوشات والكلام دون أخذ الرأي والمشورة من أهل الرأي والسداد.
فيا أعزاءنا النواب ويا موظفي الأمانة ويا جمعيات سياسية ودينية؛ اعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا ولا تتنازعوا، فيشمت فيكم العدو وتصبحون حديثاً وفكاهة، وتشغلون أنفسكم في لهو الحديث ولغوه وأنتم محاسبون على الأمانة، وها هي الأشهر تمر دون أن نسمع صوت أحد «يزغرد»، كما كان في الليالي الجميلة حيث كان صدى أصواتكم يتردد من المحرق إلى المدينة.
كما ندعو من أصدر البيانات والعبارات أن يسألوا أنفسهم؛ لمصلحة من؟ هل يخدم دولة أو شعب؟ وهل وصل الحال بالأخوة إلى هذا الحد؟ فأين التآخي ومكارم الأخلاق والصفات الحميدة؟ وأين إصلاح ذات البين؟ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه يضحك، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تبارك وتعالى للطالب كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ فقال: يا رب فليحمل من أوزاري، قال وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: إذن ذاك اليوم يحتاج الناس إلى من يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يارب هذه مدائن وقصور من ذهب لأي نبي هذا؟ أو لأي شهيد؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فادخلوا الجنة، فقال رسول الله عند ذلك «اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين».
وهنا لا بد ومنذ البداية أن تحسم الأمور وتصلح الأحول، فأي قرار إداري يترك لأهله، وأن صاحب الشأن هو الشخص المسؤول الذي له حق التظلم ورفع قضيته، وإن كان له حق سيأخذه، وإن جاء هذا القرار على أهواء وآراء فهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر، وإن كان مدروساً وله مبررات فيحتاج إلى مراجعة كافية وافية، وإن كان فيه مصلحة مقدمة على كل ذي مصلحة فهو قرار إداري يبني عليه خيارات مرضية وبما نصت عليه الأنظمة والقوانين في مثل هذه الحالات، وعلى النواب أن يتركوا هذه القضية ويلتفتوا إلى قضايا المواطنين، ونتمنى أيضاً من الأخوة في الجمعيات أن يترفعوا عن مثل هذا الجدل ويراعوا الله في كل كلمة وحرف ينطقونه، وأن يضعوا مصلحة الوطن والمواطن فوق كل مصلحة، فهونوا ما في النفس وأصلحوا ذات بينكم هداكم الله.