بعد كل هذا الذي جرى في السنوات الأربع الماضية صرنا أمام طريقين لا ثالث لهما؛ إما أن نواصل في هذا الاتجاه الذي نعرف جيداً أنه لن يوصلنا إلى مفيد ونعلم أنه لا نهاية له، أو نختار الاتجاه المناقض له فنتعاون على إيجاد حل لهذه المشكلة التي تستنزف الوطن وترمي به إلى المجهول وتتيح الفرصة للآخرين للتدخل. وبالمقدار الذي مل فيه المواطنون من هذا الذي تقوم به «المعارضة» نتيجة تخبطها، بالمقدار نفسه صاروا يضغطون على الحكومة كي تعالج هذا الملف بطرق أخرى وتعمل على إعادة الحياة في البلاد إلى سابق عهدها، فالواضح للمواطنين اليوم هو أن بقاء الحال على ما هو عليه لن يوصلهم إلى أي شيء، وأنه لابد من حل كي لا تتفاقم الأمور أكثر.
الحل الذي تطرحه «المعارضة» لن تقبل به الحكومة، لسبب بسيط هو أن «المعارضة» التي صارت اليوم فــي يد تلك المجموعات الصغيرة الفاقدة للخبرة السياسية تريد أن تحصل على كل مطالبها المتطرفة، وهذا غير ممكن منطقاً وواقعاً، فلا يمكن مثلاً للحكومة أن تسلم لمطالب ملخصها «إسقاط النظام»، ولا يمكنها أن تقبل الدخول في حوار مع من يرفع شعارات غير واقعية ويريد أن يحصل على مطالبه بالعنف وبطرق غير شرعية ويفرض رؤيته.
واقع الحال يقول أيضاً إن مسألة العودة إلى الحوار في هذه المرحلة مسألة صعبة، حيث الحوار في ظل هذا الوضع المتوتر لا يمكن أن يتم، وإن تم فلا يمكن أن يوصل إلا إلى مزيد من الاختلاف ومزيد من تعقيد الوضع.
الممكن الآن هو اتخاذ خطوة عملية بالتهدئة من قبل الأطراف ذات العلاقة كافة، وهو ما عبر عنه البعض بـ«التبريد»، ورأى أن تبادر الحكومة بمثل هذه الخطوة، لكن مطالبة طرف دون آخر بالقيام بهذه العملية لا يمكن أن توصل إلى المأمول، فلا يمكن تبريد جانب وإبقاء الجوانب الأخرى ساخنة، ولا يمكن للحكومة أن تحقق الذي في بال مقترحي عملية التبريد من دون أن تحقق «المعارضة» ما هو في بال الحكومة. هذا ما يقوله المنطق.
أول خطوات التبريد تكون بلقاء يجمع الجمعيــات السياسيـــة المعتـــرف بهـــا والمجموعـــات التـــي اقتحمـــت العمـــل السياسي ولا قبول لها لدى الحكومة للاتفاق على خطوات عملية تشجع الحكومة على اتخاذ خطوات إيجابية تصب في التبريد المأمول. هذا اللقاء يفترض أن يكون صريحاً وأن تقول الجمعيات السياسية فيه كلمتها وتبين لتلك المجموعات أن تطرفها من شأنه أن يزيد المشكلة تعقيداً، وأنه لن يوصل إلا إلى طريق مسدود يدفع ضريبته الأبرياء من هذا الشعب الذي تعب مما تم وضعه فيه، وسيصل بعد قليل إلى مرحلة يقول فيها لـ»المعارضة» على اختلاف ألوانها كفى.
في هذا اللقاء ينبغي من الجمعيات السياسية أن تبين لتلك المجموعات المتطرفة أن أعمال الفوضى والشغب والتخريب لا يمكن أن تكسب منها شيئاً، وأن عليها أن تخفض من السقف كي لا تكون بعيدة عن الواقع، وتشرح لها أن لمنطقة الخليج العربي خصوصية ربما لا تدركها ولا يدركها من يساندها ويصفق لأفعالها.
مثل هذه الخطوة لو تمت بالشكل الصحيح وأنتجت تفهماً للوضع وتفاهماً بين كل المنضوين تحت «لواء المعارضة» ستقود حتماً إلى التبريد المرتجى، حيث لن تتأخر الحكومة عن تقديم ما يمكن أن يسهم في عملية التبريد، فإذا أدت هذه الخطوة إلى التهدئة أمكن الولوج إلى الخطوة الأخرى المتمثلة في العودة إلى طاولة الحوار الذي ينبغي أن يدرك الداخلون فيه جميعهم أنه من غير تقديم التنازلات مهما كانت صعبة لن يصلوا إلى حل، ولن يفيد بعدها لا تبريد ولا تثليج