تعقيباً على ما كتبه الزميل الأستاذ يوسف البنخليل قبل أيام هنا في مقاله الرائع عن أهمية انهيار وانتهاء مفهوم الدولة الريعية في منطقة الخليج العربي وفي البحرين على وجه التحديد، نرى ونؤكد لزاماً أن ينتهي دور السياسات الاقتصادية لدولنا الخليجية، والتي باتت تصرف من «جيبها» بالمجان على كل جهة تقوم بإعالتها باعتبارها جزءاً من الدولة، مما خلق الكثير من المتسكعين والمستهلكين التقليديين في دول بات من الضروري لها مراجعة هياكلها الاقتصادية، بطريقة تتناغم مع العصر ومع أرقى النظم في دول العالم المتحضر.
منذ نحو سبعة أعوام خلت كتبنا في هذه الزاوية عن أهمية انتهاء دور الدولة الريعية في مبانيها الاقتصادية الفعلية، وعلى ضرورة خلق مناخات وابتكارات اقتصادية كبيرة وحديثة ترقى لأن تكون «استراتيجيات» للمستقبل، أما أن تظل الدولة هي المعيل الأول للمواطن «اليتيم» فهذه من الأخطاء التي انتهجتها دول الخليج العربي بعد الطفرة النفطية وازدياد احتياطي الدول من النفط والمال، فجاءت فكرة الدعم المطلق للكثير من السلع الاستهلاكية ليستفيد منها كل من يعيش على أراضيها دون وجود ضوابط أو قيود، مما أدى إلى خلق مضاعفات اقتصادية خطيرة على حاضرها ومستقبلها.
على دول الخليج العربي أن تفكر في خلق نظام يشبه نظام الضرائب في أوروبا، مع مراعاة فارق دخل الفرد، أو رفع الدعم عن غير مستحقيه أو تقنينه بصورة تضمن الدولة أن يتجه في الاتجاه الصحيح، بدلاً من صرفه على الأجانب أو الشركات التجارية بشكل يستنزف ميزانية الدول دون أدنى فائدة.
ما لا نتفق عليه مع بعض الإخوة الاقتصاديين في هذا الشأن هو عدم جدوى رفع أجور المواطنين بشكل كبير في دول مجلس التعاون الخليجي، لعدة من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا فالخيار الأفضل هو وضع قيود صارمة من خلال نظام رقابي حازم يمنع التاجر من أن يتلاعب بالأسعار أو أن يحتكر أو يدلس أو يغش في سوق باتت مفتوحة ومغرية.
حين ترفع الدولة من سقف الرواتب دون مراقبة السوق أو التاجر فإنها تصبح كمن يصب الماء في «الغربال»، فالتاجر اليوم بدأ يفهم لعبة زيادة «الأجور» جيداً، فكلما زادت الحكومة من أجور المواطنين بدأ يرفع السلع بطريقة جنونية، خاصة وهو يعلم علم اليقين ألا وجود للرقابة الحقيقية على سلوكه المنفلت، وبهذا لن يستفيد المواطن من تلك الزيادة، حتى ولو كانت كبيرة جداً، لكن حين يطمئن المواطن بوجود آلية صارمة من طرف الدولة لمراقبة التجار والسوق فإنه لن يتضرر بالشكل الذي يخسر فيه تلك الزيادة، حتى ولو كانت زيادة بسيطة.
إنها دورة اقتصادية متكاملة تتعلق بالسوق والتاجر والدخل ودعم السلع وطبيعة الأجور والنظام الضرائبي المتوازن، فإذا استطاعت الدولة أن «تضبط» هذه العملية المعقدة بشكل مدروس ومحكم؛ فإنها لن تورط نفسها في دعم فرد أجنبي أو شركة أجنبية يقومون سنوياً بترحيل ملياري دولار من المنامة بطريقة تؤذي اقتصاد الدولة بدلاً من تدويرها في الداخل بشكل مضمون ومريح يخدم أبناء وتجار هذا الوطن.