أحالت الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، كافة دول الشرق الأوسط إلى ساحات مفتوحة للحروب والفساد والتضليل والفوضى وسفك أطهر الدماء، فما أن تتعافى دولة من بعض أزماتها الداخلية حتى تسقط في مستنقع آخر، وما أن تتجاوز دولة أوسطية عربية أخرى من مشاكلها الاقتصادية حتى تتفاجأ بجرائم سياسية تعصف بأمنها واستقرارها. منطقتنا هذه لم تهدأ ولم تعرف الاستقرار منذ نحو أربعة أعوام حتى يومنا هذا، والسبب بات أكثر وضوحاً من نور الشمس في رابعة النهار.
أمريكا ودول التحالف الغربي يدعمون من يريدون دعمه، فيسقطون عليه المساعدات وكل أنواع الأسلحة ولو من السماء، ويضيقون الخناق على دول وشعوب وحكومات أخرى ولو من تحت الأرض، فما يجري في منطقتنا العربية هو من أشد أنواع البؤس السياسي والعسكري والاقتصادي، فالنية الغربية المبيتة لقسيم وتدمير الوطن العربي أصبحت اليوم أكثر فاعلية، وذلك بتحويل الدول العربية إلى غرف نوم مغلقة تقطنها شعوب متشنجة بعصبيات الطائفية ومتدثرة بدثار الفقر والجهل والتخلف، دول وحكومات وشعوب تسكن هذه الغرف التي أوشكت على التعفن.
بدأنا لا نشكك في دعم داعش وأخواتها، كما بدأنا فعلياً بعدم التشكيك غير المشروع في طريقة الدعم وفي الزمان والمكان وفي طريقة التصوير الهوليودية وفي أشياء كثيرة لا نستطيع حصرها هنا، فالدول التي تعيش فراغاً سياسياً هائلاً للغاية، يمكن أن تقوم كاميرات أمريكا ومعها كل دول التحالف بصناعة فيلم أو مجموعة من الأفلام وليس مقطعاً واحداً فقط لإعدام بعض أشخاص من أبرياء هذه الأوطان المسلوبة، فالتسريبات التي بدأت تنتشر عبر وسائل الإعلام، سواء ثبتت صحتها أم لا ستظل تشكل ألف علامة استفهام حول المعايير المزدوجة لأمريكا وأخواتها في منطقة باتت على شفير الهاوية.
يبدو أن الجماعات المسلحة أو ما تسمي نفسها بالجماعات الجهادية، بدأت تعمل بكل أريحية في منطقتنا العربية حتى من دون أدنى ضغوطات، كما بدأت تتمدد بصورة تجاوزت مفهوم الجماعة وحتى مفهوم الدولة، لتصبح خلافة مترامية الأطراف، وبدأت تتحصل على دعم دولي معلن وغير معلن، لأنها أضحت من أهم مسببات الفوضى الخلاقة الغربية والتي إن تحققت كنبوءة سياسية، فإن التقسيم المزمع إقامته في المنطقة بات وشيكاً جداً كما أصبحت إمدادات النفط آمنة مطمئنة.
منذ الأمس ومن الآن وصاعداً لم ولن نصدق الروايات الأمريكية، وسنظل نشكك في النوايا الغربية كلها، وفي كل ما يمكن أن ينطلق من دول تمارس معنا كل أشكال العنصرية والظلم، وسنقف في وجه كل السياسات والإدارات التي تقف على أرجل المعايير المزدوجة لتقمع شعوبنا وتهدم أركان دولنا وتستبيح كرامتنا، فقط من أجل مصالحها الأنانية وجشعها المفضوح.
اليوم يجب على حكومات وشعوب الدول العربية والمنطقة أن تستيقظ من سباتها العميق، لترفض كل أشكال التبعية البغيضة من طرف الدول الاستعمارية، وأن ترفض تدفقات غالبية المعلومات الكاذبة والمضللة عبر وسائل إعلامها المضلل أصلاً، من أجل تشويه وتزوير الحقائق، تلك الدول التي تقر بمحاربتها الإرهاب ودعمها إياه في آن واحد بكل صفاقة، وهذا وحده يكفي لأن يكون رصيدنا لاكتشاف السقوط الأخلاقي لدول تتصدر المشهد الديمقراطي العالمي المزور. يجب أن يكون موقفنا للتاريخ أولاً ولأجيال هذه المنطقة ثانياً، وهو رفضنا القاطع لتصرفات الغرب ولكل أدواته القذرة، فالوطن العربي كما قلناها ألف مرة لا يمكن أن يقسم وفق الدين الأمريكي.