الواضح الآن أن التوجيه هو عدم التوقف عن الخروج في مظاهرات أياً كانت الأسباب وعدم اقتصارها على «الويك إند» وتسييرها في النهار والليل وفي كل مكان. ليس مهماً عدد المشاركين فيها؛ فالمهم هو أن تستمر ويستمر تصويرها وإرسال الصور والأفلام، وخصوصاً تلك التي تتضمن مشاهد لمواجهات مع رجال الأمن وما ينتج عنها من أدخنة بيضاء وسوداء إلى فضائية العالم ومن لف لفها من فضائيات لتقوم بالدور المنوط بها على أكمل وجه، وكذلك إرسالها إلى المنظمات الحقوقية ليقال إن المظالم كثيرة بدليل أن الحراك مستمر والمظاهرات لا تتوقف، وللقول طبعاً إن الجميع على صمود وإنهم لن ينكسروا ولن يعجزوا ولن يعودوا إلى بيوتهم إلا بعد الحصول على كامل مطالبهم.
الدليل على ذلك هو أن الكثير من تلك المظاهرات تخرج من دون سبب، أي أنها صارت هي الهدف وليس الوسيلة، والدليل أيضاً هو تركيز البيانات التي تصدرها جمعية الوفاق على ذكر عدد التظاهرات التي يتم تنفيذها في اليوم أو في الأسبوع الواحد، والتفاخر بأنها حققت رقماً قياسياً جديداً من دون أي اعتبار لأعداد المشاركين فيها والزمن الذي استغرقته (بعض المظاهرات لا يزيد عدد المشاركين فيها عن العشرين ولا تستمر سوى دقائق معدودة)، فالمهم هو أن المظاهرات مستمرة والرسالة من استمرارها متحققة والإعلام الأجنبي المساند يقوم بدوره على أكمل وجه، ويرقص بسبب ذلك طرباً.
لا أحد يختلف في أن الدستور أعطى المواطنين حق التعبير بالعديد من الطرق، ولكن المبالغة في استخدام هذا الحق والتعدي بذلك على حقوق الآخرين وتعريض حياتهم للخطر مسألة ينبغي التوقف عندها ملياً، فليس معقولاً تحقيق البعض لهدفه على حساب الآخرين وعلى حساب الأمن.
المثير هو أن المنظمات العالمية ذات العلاقة لا تأتي على ذكر مثل هذه الأمور بالمرة، فهي تستوعب أخطاء «المعارضة» أياً كانت وتبرر لها، ويبدو أنها تعتبر كل خطأ، وإن كان كبيراً يصدر من هذا الطرف، مسألة عادية، بينما تعتبر كل خطأ مهما كان صغيراً تقع فيه الحكومة مسألة خطيرة وتحتاج إلى مليون وقفة. ولهذا لم يعد الكثيرون يعتدون بما يصدر عن هذه المنظمات من بيانات ومواقف لأنهم صاروا يعلمون جيداً أنها تكيل بمكيالين ومنحازة، وأنها وإن كانت ترفع شعارات حقوقية إلا أنها تعتبر أن الطرف الآخر الذي تمثله الحكومات لا حقوق له ولا علاقة له بالإنسان.
هذه المنظمات وتلك الفضائيات السوسة تعودت أن تطلق الكذبة وتصدقها، وتعودت على التضخيم والمبالغة في القول طالما أن ذلك يعود عليها بالنفع بطريقة أو بأخرى. كمثال على ذلك بثت فضائية «العالم» الإيرانية قبل يومين خبر المواطن البحريني الذي توفي أخيراً. هذه الفضائية بثت الخبر وقالت إن الوفاة نتجت عن مواجهات حدثت يوم «أمس» بينما الصحيح وحسب بيانات الوفاق والمجموعات الأخرى هو أن المتوفى كان يتلقى العلاج في المستشفى على مدى شهر قبل أن يتوفى. هذا يعني أن فرحة هذه الفضائية السوسة بالخبر جعلها تستعجل بثه من دون التدقيق في التفاصيل، وهو ما يفضحها ويفضح توجهها، حيث الحصول على حالة كهذه يعني أن وقوداً جديداً توفر يمكن الاستفادة منه في تحريك المزيد من المظاهرات وتحقيق المزيد من الأرقام القياسية في هذا المجال.
الحكومة لا تراهن على دخول المتظاهرين في حالة ملل أو كلل لأنها تعلم أنهم يعتبرون الاستمرار في التظاهر «واجباً»، ولكنها تراهن على قيام «العقلاء» من ذوي العلاقة بإقناع المعنيين بتسيير تلك المظاهرات بأن هذا الأسلوب ليس في صالحهم وأنه لا يمكن أن يوصل إلى مفيد.