ليس اليتيم من انتهى أبواه
من ذل الحياة وخلفاه ثقيلا
فأفاد بالدنيا الحياة منهما
وبحسن تعليم الزمان بديلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أماً تخلت أو أباً مشغولا
أبيات جميلة لأمير الشعراء أحمد شوقي؛ يعرف من خلالها المعنى الحقيقي لمن هم في حكم اليتامى، ومجازاً يمكن تعريف اليتيم كما بينه أمير الشعراء بأنه من تخلت عنه أمه أو بات أبوه مشغولاً عنه أو العكس، وهذا يتم حقيقي للأطفال ولمن هم في عمر المراهقة والشباب، عندما يكون أبواهم -للأسف الشديد- على قيد الحياة.
فهذا النوع من اليتم المقصود هو بمثابة صفعة قوية ومدوية لهؤلاء الأطفال، بعكس الذي مات أحد أبويه، فالموت قضاء الله وقدره ولا يمكن مهما فعل الطفل أو تدخل المجتمع إرجاع الحياة للميت، بعكس الذي انشغل عنه والداه لجمع المال أو للهو أو لأسباب أخرى، فذلك البعد أشد ألماً للطفل لما لاختيار البعد من شأن بيد الأبوين فقط، وهذا أمرّ الحالات.
هذه الأبيات استوقفتني وجعلتني أتأمل المعاناة الحقيقية لليتيم عندما يفقد أحد أبويه، أو عندما يتركانه مشغولين عنه، فالطفل الصغير أو الطفل الكبير، يحتاج دائماً إلى حنان وحضن والديه، لأن هذا الحضن هو الزاد لمواصلة مشوار الحياة ووقوده، فهذا الحب والحنان تجرد من أي مصلحة دنيوية أو خبث مقصود، فليس بعد حضن الأم والأب حضن وحنان، لذلك عار على الوالدين أن يتركا أطفالهم بلا رعاية حقيقية لهم، أو أن يهملاهم، فليست الأم من أنجبت؛ بل الأم من ربت أبناءها ورعتهم من حبها وحنانها، وليس الأب من صرف على أبنائه؛ بل الأب من احتواهم وحن عليهم، وكان لهم كالدرع والحصن لمواجهة عثرات الدهر.
عندما يعيش الطفل في بيئة هادئة بين أبوين متحابين، تغرس هذه البيئة لديه الشعور الجميل الطموح والإيجابي نحو حياة ومستقبل جميل، وعكس ذلك عندما يعيش الأبناء في بيئة يتنافر الأبوان سواء إن كان هذا التنافر مصطنعاً أو حقيقياً فهو بالتأكيد سوف يأتي بنتائج سلبية تجعل من الأبناء يكرهون العائلة والمكان الذي ينتمون إليه، لأنهما يسببان لهم إزعاجاً نفسياً وقلقاً دائماً، لذلك أحياناً يكون الانفصال أفضل للجميع، ولكن لا يعني بأن تنشغل الأم عن أبنائها لأنهم يذكرونها بزوجها الذي أهملها، أو أن يهمل الأب أبناءه لأنه يكره أمهم أو أنه يعاندها عن طريقهم، ولكن ليكن «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» هو الجرس الذي ينبه الأب والأم بأنهم محاطون بمسؤولية الرعاية، التي لازمت قرارهما من البداية في الارتباط ومن ثم إنجاب الأطفال.
فهؤلاء الأطفال لا يملكون الحيلة غير أنهم ولدوا لأبوين تنافرا بعد أيام اليسر، وهذا يرجعنا إلى البداية، إلى اليتيم الذي يتركه أحد أو كلا أبويه، مخلفين الطفل وراءهم لتكون الدنيا من تعلمه، والغرباء يرشدانه إما للطريق السوي أو للطريق المعوج، وهنا يأتي دور المجتمع والدولة للحد من هذا اليتم الذي فرض على بعض الأطفال، ويأتي دور المجلس التشريعي والمنظمات الأهلية لحماية الأطفال من اليتم الذي تحدث عنه أمير الشعراء أحمد شوقي لحمايتهم من إهمال الأب والأم.
وللمعلومة؛ فإن اليتيم شرعاً هو من توفي أبوه قبل أن يبلغ سن الرشد، وفي اللغة، لا يقال لمن فقد أمه إنه يتيم؛ بل منقطع، أما من فقد أباه وأمه معاً فهو لطيم.