لن تبرأ الدولة من جراحها ولن يتحرك اقتصادها ولن تمتلئ خزائنها ما لم تصنف الجرائم التفجيرية على أنها جرائم إرهابية، وأن مرتكبيها إرهابيون مثل باقي المنظمات الإرهابية التي يحاربها التحالف الدولي بطائرات وقنابل وصواريخ تهز أماكن تجمعهم وتبيدهم نهائياً، وإن كانوا وسط أحياء ومخيمات دكت معهم الأحياء والمخيمات ولم تبال، ولم يلمها أحد.
وها نحن مازلنا نسمع مصطلح «الخارجين عن القانون» و«أعمال تخريبية» ضمن بيانات الدولة في حال وقوع أية حوادث تفجيرية حتى وإن ذهب ضحيتها أكثر من رجل أمن أو احترقت ممتلكات عامة وخاصة، وها هي جرائم تفجير أجهزة الصراف الآلي في مختلف مناطق البحرين، فيما لايزال البيان يقول «عمل تخريبي تمثل بإضرام النار في صراف آلي»، فبالله عليكم كيف يمكن أن تسمى هذه الجرائم أعمالاً تخريبية؟ فالعمل التخريبي، الذي نعرفه، هو قلع مقبض باب أو العبث بمفاتيح الجهاز وغيرها من أعمال لا تتعدى مدة تصليحها النصف ساعة أو ساعة على أكثر تقدير، ولا تكون فيها الخسائر المادية فادحة، ولا تهدد الاقتصاد ولا الأمن، ولا يمكن أن تتسبب بسقوط ضحايا.
وطالما تعاملت الدولة مع من ينفذون عمليات التفجير والقتل بأنهم جماعة «خارجة عن القانون» ووصفت جرائمهم بأنها «أعمال تخريبية»؛ فلن تتمكن من القضاء على الإرهاب، وها هي لبنان تصنف المجموعات الإرهابية حسب ما تراه حكومتها؛ بأنه كل من يتعرض لأمن لبنان فهو إرهابي، وها هو الدكتور هشام جابر، عميد متقاعد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، في حديث له مع وكالة الأناضول الإخبارية يقول: «إن النقطة الأساسية التي يجب الانطلاق منها هي أنه لا يوجد تعريف عالمي واضح للإرهاب، ولبنان ليس لديه إمكانية لتصنيف التنظيمات الإرهابية في لائحة محلية، وأن المعيار الذي يعتمده لبنان هو أن «من يتعرض لأمن لبنان يصدر قرار قضائي بحقه على أنه ينتمي إلى تنظيم إرهابي، وكل من يعتدي على الجيش ويقوم بتفجير ينفذ أجندة مجموعة معينة يتم تصنيف هذه المجموعة عندها بأنها إرهابية»، وفقاً لمبدأ مفاده إذا لم يتعرض تنظيم ما لأمن لبنان فلا يمكن اعتباره إرهابياً، وأن العالم يتفهم خصوصية الحالة اللبنانية».
إذاً كان لدى الجيش والجهاز الأمني اللبناني حرية التعامل مباشرة مع كل ما يراه يتعارض مع أمنه، ومثال على ذلك ما حدث في عرسال عندما وجه الجيش وحزب الله مدافعهما إلى المخيمات السورية بحجة اختباء إرهابيين، وبالرغم من سقوط الضحايا من المدنيين، فلم تكن هناك ضجة إعلامية محلية أو دولية، ولا هجوم من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية بعد اشتراك الجيش وحزب الله في عملية ملاحقة من تراهم في نظرها إرهابيين.
هذه الدولة الضعيفة البنية غير المتماسكة، مثل لبنان، تستطيع أن تدافع عن مصالحها بغض النظر عمن في الحكومة، بينما دولة قوية البنية ومتماسكة الداخل والجوانب لا تسمي من ينفذون الجرائم الإرهابية بإرهابيين وتصنف مجموعاتهم التي ينتمون إليها بأنها جمعيات ومجموعات إرهابية، ولذلك يكون من السهل لهذه المجموعات العودة إلى أمكانها وأعمالها التي تحفظ لها من قبل بعض المؤسسات حتى قضاء مدة محكوميتهم، كما يحفظ لهم حقهم في خدمات الدولة، كما تعيد إلى وظائفها السياسي والإرهابي الذي يعرض أمن الدولة لنفس الخطر، وهذا بالضبط ما حدث بعد فشل المؤامرة الانقلابية وعودة الانقلابيين إلى مواقعهم الحيوية والحساسة في مؤسسات الدولة، والتي عادت بعودتهم العمليات الإرهابية بحجم أكبر وأوسع، سقط فيها الكثير من الضحايا من رجال الأمن والمواطنين والأجانب، مما أثار التساؤل والحيرة في نفوس الشرفاء من المواطنين الذين لايزالون يواجهون الإرهاب الذي لم ينقطع عن شوارع البحرين في أي ساعة وفي أي مناسبة.
إن المجموعات التي ينتمي إليها الإرهابيون في البحرين هي جماعات وجمعيات أعلنت عن أهدافها، وهي زعزعة الأمن ونشر الفوضى وحرب سرية وعلنية مسلحة ضد الدولة حتى تغير الحكم وتسيطر على مؤسساته، كما حدث مع الحوثيين الذين تعاملت الحكومة اليمنية معهم آنذاك مباشرة عبر الحوار والهدنة والتوافق وما شابهه، ثم ما حدث في اليمن بعد التمكين وقبول الحوثيين كشريك في الحكم رغم جرائمهم الإرهابية، وذلك حين لم تصنفهم اليمن كمجموعات إرهابية كانت تستحق الملاحقة والقضاء عليها لا قبولها كشريك بالأمس وقبولها اليوم بواقع فرضه الحوثيون بعد أن تمكنوا من مؤسسات الدولة واقتصادها.
على الدولة اليوم إذا ما أرادت مواجهة التحديات وصنع اقتصاد والقضاء على المشاكل التي تواجهها؛ أن تقضي على الإرهاب وتقتلعه من جذوره، وأن تقرب منها المخلصين الشرفاء أهل الأمانة وتخولهم الأمانات وتستمع إلى مشورتهم ونصحهم، لأن النصح والمشورة لا يأتي عن دراسة ومؤهلات علمية بل يأتي من ضمير صادق مخلص في ولائه، ومتى ما أخلص الإنسان أبدع في عطائه.