في تشكيل ما قبل المعركة؛ دفع العراقيون مفرزتين متقدمتين منتصف ليلة 1/2 أغسطس 1990 بهدف اختراق الحدود الكويتية الشمالية للوصول لمشارف مدينة الكويت، إحدى المفرزتين كانت اللواء المدرع (9) من فرقة المشاة الآلية «توكلنا على الله»، مدعمة بفوج استطلاع لتتقدم على محور» أم قصر - الصبية - جسر بوبيان» والوصول إلى «بحرة» خلال 3 ساعات، ثم تواصل تقدمها إلى مدينة الكويت.
بعد سبعة أشهر، وتحديداً بعد ظهر يوم 26 فبراير1991 تقدم «فوج الفرسان الثاني الأمريكي» داخل العراق خلال عاصفة ترابية، نحو الهدف (Collins)، ولم يكن العراقيون يتوقعون أن يكون الهجوم الرئيسي التفافاً عليهم من الغرب، فقوبل الفوج بنيران كثيفة لمدة ساعتين متتاليتين، وفي الساعة الرابعة من بعد الظهر اكتشف الفوج دبابات (T-72) في مواقع دفاعية مجهزة في المنطقة (73Easting) تابعة للفرقة (12) المدرعة وفرقة الحرس الجمهوري «توكلنا»، وكانتا، كما تقول المصادر الغربية، قادرتين على القتال وراغبتين فيه، وللمرة الأولى يواجه الفوج الأمريكي عدواً أكثر عدداً وأوفر قوة نيرانية، فدمروا خلال 4 ساعات قتال دبابات وناقلات جند مدرعة، كان منها اللواء (9) الذي قاد اختراق الحدود الكويتية يوم 2 أغسطس التابع لفرقة «توكّلنا»، وبانتهاء معركة «73 Easting» يمكن القول إنه قد قُضي على فرقة «توكّلنا» التي لم يعد اسمها يكتب في أدبيات عاصفة الصحراء مقروناً باسم «الله» جل جلاله.
وحتى لا يقال إننا نقيم العزاء على نفس الجنازة سبعين مرة؛ سنقف عند ذكرى حرب تحريرالكويت في يوم 26 فبراير 1991 لنرى النتيجة الكبرى التي يدفعها الخليج بعد ربع قرن ثمناً لمعركة «73 Easting»، ومثلها من المعارك خلال تحرير الكويت.
لقد كان الثمن الفادح هو انهيار نظام الأمن العربي؛ فقد توقعت الكويت أن تكون النجدة العربية سريعة جراء الغزو، ثم تبددت الآمال بنفس سرعة تشكلها، وسيطر النظام الدولي على إدارة الأزمة سياسياً وعسكرياً، ولم تكن هناك قوة عسكرية قادرة على منع امتداد هذا العدوان إلى دول أخرى في الخليج سوى ضمانات القوة الأمريكية التي أثبتت جدواها بفضل معدات التصوير الحراري في العاصفة الترابية يوم معركة «73 Easting»، وبدعم طائرات الأباتشي AH-64 Apache، التي أعطت الأميركان ميزة اكتشاف الأهداف من مسافات بعيدة، وتدميرها بالطلقة الأولى، وأهم من ذلك الوفاء بتعهداتهم لمن راهن عليهم بدل المراهنة على الحل العربي.
فكانت النتيجة من غزو الكويت منح واشنطن ذريعة لهيمنتها وإعادة ترتيب المنطقة بما يضمن مصالحها، ولإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، كما فصل ذلك د. محمد السيد سعيد في كتابه «مستقبل النظام العربي بعد أزمة الخليج».
لقد كان من تبعات حرب تحرير الكويت وانفراد واشنطن بتسيير الأمور أن خلق الخليجيون نظام أمن فرعي خاص بهم لا تتصل جذوره بنظام الأمن العربي، بل مرتبط بالغرب باتفاقيات أمنية أو نظام أمن جماعي بين دول الخليج نفسها، وعزاء دول الخليج أن حرج الارتباط بالغرب لا يخففه إلا أن انهيار النظام العربي قد أفرز اتفاقيات أوسلو ووادي عربة مع الصهاينة.
كما أن من تبعات ذلك الانهيار أننا في الخليج نتسلح منذ ربع قرن، ولا زلنا تحت خط الفقر الأمني، فقد نجحت واشنطن في الرقي بالرأسمالية، فأصبح من الممكن الترويج للحرب بوصفها منتجاً جديداً، فحين حققت واشنطن أضخم مبيعات للأسلحة في تاريخ أمريكا بالكامل وحطمت رقماً قياسياً في مبيعات الأسلحة في العامين الماضيين، أبت دول الخليج إلا أن تشارك واشنطن في هذا النجاح، بأن تكون أكبر مستورد لتلك الأسلحة.
ربما لأننا لم نقرأ في الخليج «أم المعارك» بدل أن نقرأ «عاصفة الصحراء» فقط، لو فعلنا ذلك فربما فهمنا كيف تصنع الشعوب طغاتها وكيف تهلل لهم ولفهمهم الملتوي للكرامة العربية التي قادت لانهيار نظام الأمن العربي بناء على نتائج معركة «73 Easting» التي وصفت بإنها «آخر معركة دبابات عظيمة بالقرن العشرين».