منذ فترة طويلة جداً لم أقرأ تصريحات جريئة لنائب برلماني يجلد فيها ذاته وزملاءه عوضاً عن سوق التبريرات وعرض الذرائع على الناس، وكأن المشكلة في الناس ونظام العمل بين الحكومة والمجلس لا وكأن كثيراً من الخلل سببه النواب أنفسهم.
لذلك هي تحية صادقة توجه للأخ علي العرادي النائب الأول لرئيس مجلس النواب على الكلام الذي أورده في مقابلته مع وكالة أنباء البحرين، والتي بعد قراءتها بشكل دقيق سأتفق معه في القول بأن المجلس الحالي الذي دخله ثلاثون نائباً جديداً قد يكون بالفعل «أنضج» برلمان منذ عودة العمل البرلماني في البحرين عام 2002، والنضج بمعنى أنه يأتي ليبين وجود نوع من النضج للعمل البرلماني عبر أداء يسبقه وعي وإدراك لمحيط العمل في البلد لا أداء يسبقه الانفعال والتسرع.
لن أركز على الشخص بل على الكلام، إذ الكلام والتصريح المنشور يتحول إلى وثيقة يمكن الاستناد عليها كحجة لو تغير الشخص المعني في كلامه وأفعاله، حاله حال المقالات الصحافية التي يكتبها الكتاب، إذ الكلمة تظل باقية ومخلدة في التاريخ، ويمكن العودة إليها للاحتكام بها، رغم أنني أسجل للعرادي موقفاً طيباً في لقاء جمع مجموعة كبيرة من النواب بعدد من المواطنين وبعض الكتاب الصحافيين وكنت شخصياً ضمنهم في مجلس الكابتن الرياضي والفنان جمعة هلال بعد نهاية انتخابات الدور الثاني للمجلس الحالي بأيام، حينما اتفق تماماً مع ملاحظاتنا كصحافة ومواطنين بل وطالب بأن نساعدهم في تقويم الأداء البرلماني عبر النقد البناء وإن كان قاسياً، وعبر إيصال صوت الناس، وتذكير النواب إن قصروا، بالتالي يستحق منا الشكر هنا، وهي كلمة حق تقال.
الكلام الذي تضمنته المقابلة نقول لو تحول إلى أفعال تترجم فإننا بالفعل سنشهد أداء نيابياً مغايراً، خاصة في شأن جدية التعامل مع هموم ومطالب الناس.
سنوثق الكلام الذي نتفق معه هنا ليكون وثيقة بيننا وبين السادة النواب، وليطلع الناس على المساعي التي يقوم بها بعض النواب «الجادين» لتغيير الصورة النمطية لمجلس النواب عبر تغيير أداءه وتحسينه وترقيته.
نتفق تماماً مع القول بأن المجلس النيابي عليه أن يحاسب النائب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون. ونرى بأنها خطوة جيدة الإعلان للناس بأن المجلس يريد تفعيل لجنة الشكاوى، والتي مسؤوليتها تلقي شكاوى الناس على النواب إن قصروا في أداء واجباتهم، وإن أخلوا في عملية تحقيق وعودهم. وهنا وردت نقطة هامة بأن هذه اللجنة موجودة لكن المجلس الحالي أو المجالس السابقة لم تشهد شكوى مقدمة من الناس، وهذا أمر غريب بالنظر لحجم الاستياء الشعبي من قبل شرائح عديدة على أداء النواب. وعليه الإعلان عن وجود هذه اللجنة وتفعيلها مسألة طيبة، والكرة الآن في ملعب الناخب إن رأى تقصيراً أو إخلالاً بالوعود ليتقدم بشكواه لمجلس النواب على أداء نائب منطقته.
نتفق بشدة مع القول بأن تغيير القناعات السلبية تجاه النواب يبدأ من النائب أولاً ثم من الناس، ويأتي ذلك عبر التزام النائب بـ»الوثيقة» التي تربطه مع الناس، والتي تتمثل ببرنامجه الانتخابي الذي على إثره حصد أصواتهم. والتغيير يكون عبر الإنجاز الحقيقي على الأرض والذي يتلاقى مع مطالب وهموم الناس، والأهم عبر التواصل مع الناس والتواجد معهم.
وعليه نتفق أيضاً مع القول بضرورة تعريف الناس بالدور المطلوب من النائب، وكيف أن التشريع وسن القوانين هي الأداة الأقوى لتحسين وضع الناس وتقديم الأفضل من الخدمات لهم، وليست المماحكات والاستعراضات الإعلامية في المجلس. بالتالي هي فكرة طيبة السعي للوصول إلى المدارس وزرع هذه الثقافة لدى الأجيال الناشئة حتى تنضج لديها القناعة بالدور المهم الذي يجب أن يضطلع به أي برلمان متقدم في ممارساته.
نتفق تماماً مع الجهد المبذول في المجلس الحالي بشأن التواصل مع الناس، ولعل بعض الخطوات لم تبرز إعلامياً بالشكل المطلوب وهذا خطأ كبير، فمن من الناس يعرف بأن المجلس نظم منتدى ضم 180 شاباً يمثلون القطاعات الشبابية المختلفة والأجهزة الرسمية والجمعيات، والهدف من ذلك الاطلاع على مشاكلهم ومعرفة آرائهم، وتضمين ذلك في ملفات عمل البرلمان. وهذا يتواصل حتى اليوم الخميس من خلال ملتقى برلماني مع المعنيين بالشأن الرياضي في البحرين في رغبة لعدم إغفال جانب مهم في البلد يعنى بشريحة كبيرة من الشباب.
ومن ضمن ما نتفق عليه، هو الاحترام المعلن لدور الصحافة والاعتراف بأن المجلس الحالي يعتمد بشكل كبير على ما تنقله الصحافة من هموم الناس ومشاكله، إضافة لإيلائه الاهتمام للنقد الموجه والأخذ به بالأخص النقد الهادف، مع عدم إغفال متابعة مؤشرات المزاج العام للناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
لن أطيل في تحليل مضامين المقابلة، لكن يمكن الرجوع لها في عدد أمس الأول، لكن زبدة القول هنا بأن كل التجارب حينما يتقادم عمرها الزمني وتمر بمحطات صعود وهبوط، نجاح وفشل، فإنه ينتج عنها زيادة في الوعي المجتمعي، بالتالي يفرز ذلك مخرجات مختلفة، وهذا ما لاحظناه في تشكيلة مجلس النواب الجديد، عبر وجود شباب وكفاءات وطاقات مؤهلة، واضح تماماً أن كثيراً منهم درس الماضي ورصد ما فيه من نجاحات وعثرات، وهو يحاول أن يبني استراتيجيته لتضمن تحقيق النجاح وتجنب تكرار الفشل.
قلناها بأننا سنشد من إزر النواب إن وجدنا منهم عملاً يصب في صالح الناس، وسننتقدهم بقسوة إن خالفوا ذلك، بالتالي سنتفاءل على وقع هذه التصريحات والكلام، مع التذكير بأنه سيكون مثل الوثيقة والحجة على الإخوة النواب لو عملوا بعكس الاتجاهات التي أعلنوا عنها.
وفق الله جميع الجهود المخلصة في عملها لأجل الوطن والمواطن.